في يوم السبت الماضي وقبل الساعة الخامسة بدقائق كنتُ أجلس خلف الشاشة التلفزيونية لأستمع إلى نقلٍ لصلاةِ الفجر من بيتِ اللهِ الحرام، أن تسمعَ القرآن في بيتك، سيارتك، مسجدك، في أيِّ مكانٍ فإنه يختلفُ تماماً عندما تستمع إليه وهو يُتلى في المسجد الحرام وبالذات في وقت يتجلَّى فيه الصفاءُ النفسي،، آياتٌ تقشعر لها الأبدان، تصمتُ متفكراً في كل كلمة، وتُدرك - بخشوعِك التام – أن بعضَها رسائلٌ من الله العلي القدير لكل من يعيث في الأرض فساداً، ولكل من يستبيح دماء الناس - على اختلافهم في الديانة والمنشأ والعقيدة. الآيات التي كان يتلوها إمام الحرم عشتُ معها في أوامرها ونواهيها، وعشتُ في رهبةِ عِظَمِ الآياتِ وقوةِ زجرها، وفي شدةِ معاقبةِ العابثين، وأدركتُ أن مَن يحضر هذه الصلاة سيرى كيف أنَّ أصداءَ التلاوة في سكون الفجر ومع الموقف المهيب في الحرم وأمامَ الكعبة سيكون له شعورٌ مختلف جداً عمن يحضر الصلاة من خلفِ شاشةٍ أو مذياع!!. الإمام تلا هذه الآيات الكريمة: (وَإذا قِيلَ لهُم لا تُفسِدوُا في الأرضِ قَالوُا إنَّما نحنُ مُصلِحُون، ألَا إنَّهم هم المفسِدوُن ولكن لا يشعرون، وَإذَا قِيلَ لَهم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قالوُا أَنؤمِنُ كَمَا آمنَ السُّفَهاء ألَا إنَّهم هُم السفهاء ولَكِن لا يَعلمُون، وَإِذَا لَقُوا الذيِن آمَنُوا قَالوُا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلى شَيَاطِينِهم قَالوُا إنَّا مَعكُم إنَّمَا نَحنُ مُستهزِءوُن، اللهُ يَستهزِئُ بِهِم وَيَمُدهم في طغيانِهم يَعمَهُون، أولئكَ الذِين اشتَروا الضَّلالَةَ بالهُدَى فمَا رَبِحَت تجَارتُهم وَمَا كَانوُا مُهتدِين)، آياتٌ قرآنيةٌ كريمةٌ تُجسِّد حالة من يعيثون في الأرض فساداً، انتشروا في مختلف بقاع أرض المسلمين، وباتوا يمارسون أنواع القتل والتعذيب لأخوانٍ لهم في الإسلام، ولأنَّ سفكَ الدماء هو مبتغاهم فصاروا يخططون بمختلف أدواتهم، ولأنه ضاعت لديهم حُرمات المكان والزمان فصاروا لا يفرِّقون بين مسجدٍ وشهر، بل من شدة ما أصبحوا عليه (صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون) صاروا يجمعون بين المكان الحرام والزمان الحرام، وبعدها يرفعون شعار الإسلام وكتاب الله!! إذا كان الله عزَّ وجل ينهاكم في كتابه فكيف ترفعون المصحفَ استشهاداً به؟؟؟؟ وإذا كان الإسلام ينهاكم عن قتل الأبرياء العُزَّل فكيف تتجرؤون على حُرُماته في مساجد لتغتالوا الركَّع السجود؟ عقولٌ غُيبت عن معرفة الحقيقة، وبات السعي إلى كلِّ خرابٍ وتخريب هو المقصد! شبابٌ صغار أضاعوا مستقبلهم، وأحرقوا قلوب أمهاتهم، وكسروا ظهور آبائهم، وألحقوا بالخزي قبائلهم، فما الذي كسبُوه؟ لا شيء!! أغروهم بحور العين، وبأن الملائكة ستقاتل معهم، وبأنهم الشهداء ومنزلهم الفردوس الأعلى، وطلبوا منهم أن يسارعوا الخُطى فحور العين بانتظارهم، والأمر لن يكلفهم شيئاً سوى (ضغطة زر) يتحوَّلون بعدها إلى أشلاء ممزقةٍ ومعهم عشرات من الأبرياء سيحاسبهم الله عنهم، فأين سيذهبون عن ربهم (مَن قَتلَ نَفسَاً بِغيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٍ في الأرضِ فَكَأنمَا قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً). أيها الشباب: عمِّروا المساجد ولا تُخربوها، ابنوا مستقبلكم ولا تهدموه، اختموا حياتكم بالعمل الصالح لا بدماء المسلمين والأبرياء من الناس، اجعلوا الرحمن في قلوبكم لا الشيطان وأعوانه، واسمعوا لولاة الأمور لا لأعداء الدين، واعلموا بأنكم أدواتٌ رخيصةُ الثمن في يد الإرهاب، ينتهي دوركم بانتهاءِ تنفيذِ المهمة بعد أن تكونوا قد خسرتم الدنيا والآخرة، افتحوا المصاحف واقرؤوا آياته بعقولكم وقلوبكم، وتدبروا آياته جيداً، واسألوا أهل الذكر والعلم فيما يخفى عليكم، ولا تنتقوا بعض الآيات وتفهموها جهلاً وضلالةً لغرضٍ في نفوسِ جماعاتٍ إرهابيةٍ، فالعلوم الشرعية ليست آيةً منفردةً بعيدة عن أحكامها وتفسيرها وسبب نزولها (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، أيها العابثون بأمن الوطن اعلموا أن: من باع بلاده وخان وطنه فهو يشبه رجلاً يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامح، ولا اللصوص يشكرون! يقول جورج صاند (لا يُمكننا تمزيق ورقة واحدة من كتاب حياتنا، لكن يمكننا قذف الكتاب كلُّه إلى النار)!. وهذا تماماً والله ما يفعله بعض شبابنا يُلقون بحياتهم إلى النار، مُغيبةً عقولهم غير مدركين هذا المصير الأسود! في الختام: اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين.