هناك الكثير مما يمكن قوله عن مواقع التواصل الاجتماعي، وأعني بالخصوص موقعي فيسبوك وتويتر، أو لنقل تويتر على وجه التحديد. هناك الكثير من التوصيف الإيجابي والسلبي لهما. علينا أن نتذكر أن مواقع التواصل هذه جاءت في وقت تغولت فيه وسائل الإعلام، وأصبح من غير المتاح لكثير من الشباب المشاركة فيها، ليس بسبب صغر أعمارهم وبداية مشوارهم فحسب، بل كان لا بد عليهم أن يتماهوا مع اتجاهات هذه المؤسسات الكبرى حتى يعثروا على فرصة ولو ضئيلة للانتساب إليها. جاءت مواقع التواصل هذه لتعيد الاعتبار للفرد أمام المؤسسة، ولتجعل للأفراد بمجموعهم قوة تواجه وتتفوق على المؤسسات الكبرى والرسمية. لكن علينا أن لا ننسى أيضا أن للدول طرقها في العثور على ثغرات هذه المواقع، والدخول من خلالها لقلب فكرتها وجوهر ايجابيتها وإبطالها، بل وفي كثير من الأحيان جعلها تسير عكس ما يريده الأفراد منها، وهو ما أعتقد أنه حصل ولو بنسب قد نختلف عليها. ولكن ماذا عن السلبيات الأخرى، يتحدث نعوم تشومسكي عن مواقع التواصل فيقول إنه بالرغم من العديد من الايجابيات والتي لا تنحصر فقط في الشأن السياسي وإنما أيضا في تسهيل تواصل الأم مع أبنائها الذين يدرسون في الخارج مثلا، بالرغم من ذلك فإن هذه المواقع حولت الحديث عن الأفكار إلى شيء تافه، فالأفكار التي لا تستطيع قولها في 140 حرفا لم يعد لها وجود. وإن أي فكرة مهمة متعددة الجانب وتتطلب قدرا من التركيز أصبحت مستبعدة. هذا ما جعل اللغة المستعملة في تويتر لغة التعاليم. وهي مفارقة مهمة، فمع أن الأغلبية في تويتر يظنون أنهم أصبحوا أكثر بعدا عن التلقين إلا أن اللغة المستعملة تبدو في جوهرها تكريسا للأفكار السطحية والسريعة والمباشرة والبعيدة عن أي عمق. دخلت في تويتر في نقاشات مع كثير من الشباب حول قضايا فكرية عديدة ومتنوعة، كما يفعل الكثيرون مثلي، ومن الملاحظ أن ثمة مجموعة ليست بالقليلة، تكونت ثقافيا في تويتر، إنها ليست على صلة بالكتب أبدا، قد تقرأ كتابين أو ثلاثة أو عشرة، لكن ذلك لا يعني شيئا، إنها تملك اللياقة العالية لخوض نقاش عبر تغريدات لا تسع إلا ل140 حرفا لساعات طويلة حول أي قضية، وتملك الجرأة النفسية والمعرفية لنسف أي رأي علمي وتكوين وتبني أي رأي جديد، من خلال هذه المعرفة التي تتلقاها من تويتر، بل هي تجعل هذه المواقع حاكمة على المعرفة في الكتب وليس العكس. حاولت لفترة أن أغرد عن بعض الأفكار في مجال التأويل والفكر الديني والذي هو من صميم تخصصي. لكنك بعد أن تتخذ مسافة زمنية ونفسية مما كتبت تجد أنك لم تكن تصنع سوى التسويق للأفكار، التي يجب أن تكون موسّعة في مكان آخر. لكن ثقافة تويتر أعطت انطباعا لكثير من الناس بأنه كاف لهم، لأنهم باتوا قادرين على خوض أي نقاش مع أي متخصص وهي معضلة أخرى حقيقية. الغريب حقا هو أن تجد نفسك قادرا على أن تكتب حول أشياء كثيرة سوى تخصصك، لأنك حين تود الحديث عن ما تعرف ستحتاج إلى استعمال المصطلحات العلمية، وليس أثقل على متابعيك هناك من استعمال مصطلحات لا يفهمونها، سيتهمونك بالتقعر ربما، أو التظاهر والتباهي، أو عدم الإفهام، وستجد من يناقشك في أعمق القضايا، وهو قادر على أن يشرح رأيه بشكل مبسط وشعبي لأن رأيه بسيط جدا، بينما ستجد نفسك لا تملك المساحة الكافية لقول ما تريد. ستكتشف بعد فترة أن هذه المساحة هي للكلام الشعبي السريع والجماهيري وليست للمعرفة. حسنا، قد لا تكون المشكلة في الموقع نفسه ولا في طبيعته، بل في استعماله في شأن لم يبرمج في الأساس له. هذا صحيح، لكن ما حدث هو أن مجموعة ليست بالقليلة باتت تعتقد أنها أحاطت بالمعرفة وأنها قادرة على خوض أي نقاش ونسف أي رأي بمجرد أنها رأت نفسها ماهرة في استعمال هذه المساحة الصغيرة، وقد سمعت من الكثيرين نقدا للمعرفة يقوم على هذا الأساس، أصبحت هذه المساحة هي التي تُقدّر وتَزن الأفكار، وكأنهم يقولون لك إن لم تكن مساحتنا كافية لقول ما تريد فلا حاجة لنا بأفكارك. أخيرا أنقل هنا تصريحا لأمبرتو إيكو على قسوته، يقول عن أدوات مثل تويتر وفيسبوك انها: «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».