قصيدة غرّاء تعكس مسيرة مظفّرة، امتدت أربعين عاما في حقل التعليم، لم يدخر شاعرنا خلالها جهداً، ولم يتوان أبداً عن بذل أقصى ما يستطيع، خدمة لما يضطلع به من مسؤولية جسيمة متمثلة في التربية والتعليم في بلد عربي، بادله حبا بحب وعطاء بعطاء، حتى تجذّر ذلك في قلبه وصار جزءا لا يتجزأ من كيانه وانتمائه، إيمانا منه بما كان يردده لسانه منذ الطفولة، شأنه شأن مجايليه وأترابه: بلاد العرْب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان عنوان القصيدة يعكس صدق ما يكنّه من إخلاص ووفاء لبلد يتربّع على سويداء قلبه ويستأثر بأسمى مراتب الحب، عشقا وهوى. لله درّك شاعرنا، وأنت تختار هذا العنوان «الدمام والهوى» فتحملنا على جناح ذكريات سعيدة -وما أكثرها- عشناها معا في هذه البلاد الطيبة، فأثمرت ثروة واسعة من الأصدقاء والمعارف والطلاب، نعتز بهم جميعا ونفخر. استهل شاعرنا القادم من لبنان قصيدته بالحديث عن علاقته بالدمام- التي جمعت بين جمال البر وسحر البحر، بل بالمملكة العربية السعودية- الممتدة لأكثر من أربعين عاما. تستقبله وتحتضنه حبا وشوقا. ويتغنى بجمالها الآسر: صخرٌ وبحرٌ كيف يا دمّام ذا؟ حُزت الجمال وتاجه فتقلّدي مدت ذراعا كي تصافحني بها وبأختها قد طوّقتني تبتدي طَول الوفادة والرفادة واللقا وبكل موروث الكرام الرُوَّد وبدأت مشواري بصحبتها رضا ما انبتّ وصل من يديها أو يدي ويبلغ عشقه الدمام ذروته: بحرية العينين يا دمام في زرق العيون وريفها مُتوسّدي خجلا أداري رغم وجدي مغضيا إغضاء حبيب مستهام مُسهد وأنّى له أن يسلو الدمام التي عشقها حتى الهيام: دمام يا عمري الأنيس ولي بها أسرار شفّت عن هوى متجدد إلى أن يقول: في كل شبر من ثراها مجلس أو منتدى للصحب أو للعوّد ولا ينسى كورنيش الدمام الفياض بأطيب الذكريات مع الأهل والأحباب: وحزامها في كل شطر رُدتُه قاسمته صبري ومرّ تجلّدي ذاك الحزام لو سبرت دفينه ألفيت جل دفينه مُتنهدي واحاتك الخضر الندية مهجعي خلجانك الزرق البهية مقصدي لذا فهو لا يقوى على فراقها: ما إن ودعت بكل صيف أرضها حتى رددت لتربها وأنا الصدي هذا هو الوفاء الذي عرفناه في شاعرنا، وفاء للبلاد والعباد: أهلوك أهلي، والهوى صنو الهوى بيني وبينك إذ يروح ويغتدي وبنوك أبنائي وفي تهذيبهم مهجتي بذلتُ وكل ما خطت يدي أنفقتُ عمري كل عمري راضياً لم أبتئس يوما ولم أتردد وهو أسعد ما يكون اليوم وهو يرى الدمام بل المملكة تتبوأ مكانة عظيمة في كل المجالات، يشار إليها بالبنان: واليوم أزهو إذ أراها موئلاً للعلم والإشراق والعيش الندي وأنّى له أن ينساها وقد أودع ثراها فلذة كبده «جميلا» ليظل يشده إليها حنين لا يهدأ: واريتُ بعضي في ثراها مؤمناً فاستقبلته وإن يكن بالأسود من أين لي نسيانها و«جميل» قد أغفى رقادا، يا له من مرقد أغفى، أطال منامه في حجرها ألوت عليه، كما رضيع يثتدي ضمته في أحضانها واغرورقت دمامُ رِسلك في فتات الأكبد إن يُفتدَ يوماً ترابٌ لم يكن إلاك من يُفدَى، وكنتُ المفتدي أبعد كل هذا، يطلب من شاعرنا، برهان أكيد على صدق حبه للدمام وأهلها الميامين؟ قصيدة تنبض عشقاً، وتتدفق عاطفة، تلامس شغاف القلب، وتستمطر العيون دمعا، وتؤكد الوفاء لبلد احتضنه خمسة وأربعين عاماً، كانت عامرة بالعطاء، حافلة بمسيرة غنية زاخرة بأخلص الأصدقاء. وتعكس أيضاً شاعرية متألقة، مبدعة، ترفدها ثقافة واسعة باللغة العربية، نحوها وصرفها وعروضها، لتؤكد أن شاعرنا عبدالرحمن الدهيبي القادم من لبنان والذي غادر الدمام، ينتمي بما لا يدع مجالا للشك لذلك الجيل من الرواد العباقرة الذين تتلمذ عليهم ونهل من معين علمهم الذي لا ينفد. تتنافس أبياتها، فكل بيت فيها أجمل من الآخر، لفظا ومعنى وخيالا وعاطفة حتى إنها لتستأثر بكل الاهتمام والتقدير. وتبرهن على شاعرية أصيلة تنتمي إلى بلد، أهدى للثقافة والفكر فحول الشعراء والعلماء والمفكرين. كاتب عربي