أجزم بل أبصم بالعشرة أن مجنون ليلى وليلى نفسها وقصة عشقهما هي من النوادر في عالم الحب الذي قد يصعب تكراره على مر العصور، وإلا لماذا يتغنى الناس ويتذكرون ذلك المجنون الذي لو وجد في زماننا الحاضر لسحبناه وسقناه سوقا إلى مستشفى الأمراض النفسية الشهير في الطائف وربطناه بالسلاسل والأقفال لأنه مجنون، ولكن المحظوظ مجنون ليلى سلم من كل ذلك وتغنت به الأمم وفي بعض الأحيان تمثلت به وبحبه، أما السيدة ليلى فكانت امرأة مميزة في صبرها وقبولها لعشق ذلك المجنون الذي لو تقدم لخطبتها في أيامنا هذه لتجمع عليه الأهل والأقارب والعشيرة وأشبعوه ضربا وإيلاما لتجرؤه على خطبة ليلى ولمنعت ليلى بالمقابل من التحدث معه وقطع عنها كل وسائل التواصل الاجتماعي. إذا لماذا مجنون ليلى وليلى نفسها مقبولون في الماضي مرفوضون في الحاضر؟! يجيبك أحدهم نعم، هذا صحيح.. ففي السابق حب عذري صافٍ، أما الآن اسمه حب (هشك بيشك).. عندها تفيق من سباتك وتستيقظ قبل أن تجد جوابا لاستفساراتك، ونشير هنا إلى أن ليلى التي عشقها ذلك المجنون ليس اسمها ليلى بل هي وكما يروى فتاة من مدينة ليلى بمنطقة الأفلاججنوبالرياض ولم يعرف اسمها الحقيقي أو عُرف ولكن المهم في الأمر أن حب ذلك المجنون وهيامه بليلى وصل أقصاه وذاع صيته في كل أقطار الدنيا وخصوصا العالم العربي، إذا هو عشق مميز أصيل مطابق لمواصفات وجودة الحب العذري وحاصل على شهادة الأيزو العالمية بدليل ذكره وتذكره رغم مرور عشرات السنين، والسؤال هنا كم مجنون وعاشق في زمننا الحاضر، وكم ليلى وليلى في أيامنا هذه؟! هم كثر لكنهم تائهون مشتتو الفكر يخشون نقمة المجتمع ونقده ونظرته المسيئة وانكارهم لفطرة إنسانية موجودة في داخل كل نفس بشرية، الحب العذري الشريف والطاهر هو موروث فطري يغذى بالقيم والأخلاق الفاضلة ويموت وينتهي ويتلاشى إذا كان عكس ذلك، إذا لا عيب في أن تحب وتترجم محبتك في أبهى صورها ولكن العيب إذا انحرفت صورة الحب ووصلت إلى حب المصالح والمنافع واستغلال قلوب ليلى وأخواتها ممن يقعن فريسة حب عابر أو نزوة أو عشق خاسر. نقول: ولان العرب عاطفيون ويقيمون الأمور بطريقة شخصية في أغلبها، لذلك كانوا يتعاطفون ويتشدقون ويتغنون بحب وعشق ذلك المجنون وهيامه بليلى، أما الآن فيتهم العاشق المزيف بالنصب والاحتيال، ويتهمون ليلى وأمثالها بالسذاجة ونقصان العقل وقد تكون تلك التطبيقات موجودة قديما وهي التي صبغت مجنون ليلى بصفة المريض المجنون، لكنهم باعتقادي -أي العرب والعربان- لم يستطيعوا إنصاف ذلك المجنون وعشيقته بصفة ألين وأهدأ من الجنون كمثال الحنون ..لأن ذلك ربما كان ما بين مجنون ليلى وليلى هو الحب والحنان والبراءة ولا غير ذلك. إذا لماذا ولماذا في عهد ليلى ومجنونها كانت الأمور غير الآن؟! نقول وببساطة هي المجتمعات العربية وقسوتها الصحراوية وعدم مرونتها سمحت للحب في عهد الأولين وفي زمن آخر يستنكر الحب وينظر لأطرافه بعين الغرابة!! لذلك ضاع المجنون وضاعت ليلى واختفى مفهوم الحب العذري الحقيقي إلا من قلوب نفر من الناس الذين يمارسون ويجتهدون في كل مرحلة ووقت وزمن للاستمتاع بلحظات المحبة الجميلة، والأخلاق الحميدة تصقل وتهذب ذلك الحب وتحاول الإبقاء عليه في ظل ظروف ومتغيرات ومغريات جعلت البعض يحب ويعشق في اليوم أكثر من مرة ودخل في منظومة حب (اكسبريس) التي تتبخر بسرعة. إن معنى الحب السامي وكلمة المحبة والألفة والاستلطاف والاعجاب وكلها مراحل متتابعة ومتداخلة تفضي إلى الحب الحقيقي الصادق والنابع من نبذ الذات تصل بالمرء وخليله إلى نهاية سعيدة اسمها الزواج المبني على الحب، هذا وإن لم يتحقق ذلك فإن تاريخ الحب سيسجل أعدادا متزايدة من ليلى ومجانينها. هذه دعوة للحب الحقيقي العذري الخالص وغير المزيف واما غير ذلك فهو ليس حبا ولن يدوم.