سيكون عجزا لغويا فادحا.. بل وفكريا أن نقف عند وصف الأسئلة بأنها «مفاتيح الوعي» إنها مفاتيح الحياة نفسها فردية أو جماعية، هل عرف الفرد ذاته قبل أن يسأل: من أنا؟ من الذي جاء بي إلى هنا؟ إلى أين أنا ذاهب؟ و«طويل طريق أم يطول؟» وهل عرفت الجماعة «أي جماعة شعوبا أو أمما» نفسها دون أن تسأل نفس الأسئلة وأكثر؟ إن السؤال لا يتقدم على زمنه. إنه ناتج النضج الفردي والاجتماعي ودرجة نمو المعرفة.. إنه نضج الظروف المحيطة بانبثاقه والسبب في صياغته سؤالا فاتحا ذراعيه للجواب.. لكن المشكلة ليست هنا، ليست في الظن بإمكان تقدم السؤال عن زمنه، المشكلة تكمن في تأخر السؤال عن زمنه. تأخر السؤال عن زمنه معناه عدم رؤية الفرد أو المجتمع للظروف الموجبة لطرحه، معناه انعدام الوعي بضرورة قوله، ويعني أنه جاء في زمن يقتضي طرح سؤال آخر أشد ضرورة ونضجا منه.. والتأخر عن الزمن نقص فادح لا دواء له إلا بكدح لا توقف له في سبيل قطع المسافة التي تأخر عنها السؤال. كارثة الكوارث السوداء حين يجاب على السؤال بجواب خاطئ أو مضلل مثل الأجوبة الأسطورية– مثلا– ويأخذ الجواب طريقه إلى أذهان الناس والانغراس في قناعاتهم حيث يكون سلوكهم على هذا الخطأ طبيعيا. وهذا لا يكتشف- إن اكتشف- إلا بعد قرون. أنت لست في حاجة إلى القراءة طويلا للتاريخ تكفيك جرعة واحدة من البحيرة لتعرف كم عدد الأجوبة الخاطئة التي سجنت عقول الناس قرونا طويلة وهم يحسبون السراب ماء. أستطيع أن إقول: حتى لو رميت بالحجارة، إن الأمة العربية طوال تاريخها، وحتى غد، ذات قابلية حسب تعبير مالك بن نبي.. بل مصابة بداء تصديق الأجوبة الخاطئة منذ القرون «الشفوية» وحتى الآن لأننا لم نتجاوز المرحلة الشفوية.. أمة إما أن تبقى تكرر السؤال دون ملل أو جواب أو تجيب عنه بصورة خيالية لا علاقة لها بالواقع ولا فعل لها سوى أن تزيد الظلام ظلاما، وهل نحتاج إلى ضرب الأمثلة؟ خذ –مثلا – اهم سؤال طرحته النخبة المفكرة على نفسها منذ القرن التاسع عشر وهو «لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا؟» وتقدم المفكرون الأشاوس وتفضلوا بالأجوبة بما لا يخرج عن المضامين التالية: 1- تأخرنا لأننا ابتعدنا عن ماضينا. 2- لا بد من عودة ماضينا الزاهر. 3- يجب أن نعيد حضارتنا. 4- أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة «هكذا بالمطلق». عند قراءتك لهذا ماذا تجد؟ تجد أنهم لم يبحثوا أسباب «تقدم غيرنا» وقفوا على الأطلال حالمين بقيامها مرة أخرى، وقفوا على أسباب خيالية وهي أن نعيد الحياة إلى ميت كما يقول الجابري. * كاتب