التحليل التأملي للتجربة الفنية يقود الفكر باستمرار للانطلاق نحو الداخل، لعالم جديد من الانسجام والفرح والحرية المتجددة باستمرارية التأمل، فتبدأ الحركة الإيقاعية للفكر ذهابا وإيابا لرحلة استكشافية لتجربة محسوسة انعكست عليها حالات من الوعي والإدراك الجمالي، والتأمل يقودنا أيضا للبحث عن الحياة الروحية والتي يكشف عنها (الحرف العربي)، فنلتقي الهدوء والاطمئنان وهي دعوة للفرح الروحي عندما يأتي الحرف بتوليفاته المختلفة وأسراره الكامنة وقيمه الجمالية، فيصبح للتأمل مضامين فكرية ثقافية متجددة وسنستمع لصوت كل حرف ونتخاطب مع كل كلمة. وفي ساحة التشكيل السعودي يأتي الحرف بنصوصه الجذابة حاملا معه أحاسيس إيمانية لتسبيحات دينية فيغمرك الخشوع في عالم روحاني تتناغم نصوصه بانتظام على إيقاع الانتظار لصوت الحياة والنشاط والتقرب لله، لصوت يسمعه الوجدان فتردد (الله أكبر) الاسم الذي اختاره الفنان ناصر الموسى رائد الحروفية السعودية، ليكون عنوانا لمعرضه الخامس عشر بصالة نسما آرت للفنون الجميلة بجدة، والذي اشتمل على 80 عملا تشكيليا بمقاسات مختلفة ينتمي للحروفية العربية. ويعتمد الموسى على الحرف واللون لأعمال مشحونة بطاقة تعبيرية تشكل في معظم لوحاته كلمة (الله أكبر)، يقدم من خلالها رسالة فكرية نستشعر عظمة الدين الإسلامي وعظمة الخالق والتفكر في كل ما يحيط بنا من آيات.. تتكرر حروف الموسى مرات عديدة كنسيج متشابك مرن يسمو بأنفسنا لعوالم روحانية وإيمانية يتجاوز قيمتها اللغوية، لينقل لنا قيمتها الجمالية وثراءها الفكري ومكانتها في الفنون الإسلامية وإمكاناتها التشكيلية التي لا تتوفر في أي لغة من اللغات. وتأتي حروف الموسى بهيكلة متجددة مرنة بسيطة متماسكة فتارة سميكة وأخرى دقيقة محاطة بعلامات التشكيل (الكسر والفتح والضم والشدة والسكون) كحلي تزيينية لها خصائصها الجمالية والوظيفية من ضبط الكلمة وقراءتها للوصول لصوت الحرف ونغمته التي تحرك مخيلة المتذوق، فيتجلّى المعنى والجمال المتدرج من الهمس للنداء الصارخ، فيظهر كل حرف بتجلياته اللغوية وامتداده الصوتي فتنتظم حروفه بوعي تخيلي فيحضر الألف واللام والهاء تجتمع لتشكل كلمة (الله أكبر) داخل سلم صوتي ترتقي عليه فتكبّر ويتردد صداها في كل مكان وفي كل زاوية، ينقل خصائصها الجمالية نسمعها ونتفكر في معناها العظيم المتجدد وفي انتقالاتها المختلفة، (الله أكبر) بها كانت تفتح بلاد المسلمين، وبها يرتفع الأذان للإعلان عن أوقات الصلاة في مشارق الأرض ومغاربها مرات عديدة لإيصال رسالة الإسلام وليعم الأمان، وبها تفتتح الصلاة أعظم شعيرة من شعائر الدين، (الله أكبر) اسم له إيقاعاته الزمنية والصوتية التي تشعرنا دائماً بالرضا والسعادة. يميل الموسى إلى لحظات ملونة بقيم مختلفة من الأصفر المشع والذهبي والأزرق البحري والأخضر العشبي فتحضر الدرجات اللونية متداخلة بانسجام مع لحظات ضوئية تحمل الشعور بالأمل وتطرد الكآبة، وليمنح لوحته قيما زمنية للإحساس بقيمة الوقت فتمر نصوصه بلحظات زمنية فتظهر جلية واضحة بإطار جمالي مقروء، وفي جانب آخر تسير حروفه بمنعطفات جديدة وتنصهر في منظومته اللونية التي يختزل عليها جغرافية المكان كفضاء تاريخي وثقافي يستحضر مناخاته اللونية بمسارات متعددة لضربات فرشاته التي يمنحها المرور المتكرر على قطع ملمسية، لإضافة تقنيات متنوعة ومتعة جمالية، ثم لا تلبث حروفه أن تتنفس من جديد ليمنحها قيمة الديمومة والحركة، (الله أكبر) لها قيمتها الجوهرية التي تترك بصمتها في الذاكرة (الله أكبر) هي بداية ليوم جديد وبداية للحياة.