أحد الأصدقاء جلس أشهراً يخطط لمشروع اجتماعي متميز، وجهز المنفذين له، وانطلقوا فتتالت العقبات، من مادية ومعنوية وبشرية حتى توقف المشروع! وآخر التقط فكرة جميلة وجلس يدرسها ويتأملها ويخطط لها وأطال في ذلك حتى بردت حرارتها، ونامت بعد يقظتها.. تأملت في عشرات الأفكار والمشاريع التي فشلت؛ فرأيت أنها تتعثر إما أثناء التخطيط لها، وإما بعد بدئها وتكاثر العقبات، وعدم حلها ولو مرحلياً، فكانت المشكلة في المرحلة الأولى: الدراسة والتخطيط، وذلك بسبب التخوف، أو الجهل بواقع العمل والبيئة المستهدفة. ففي البداية إما يحجمون تخوفاً أو يقدمون على العمل وتصورهم للواقع والمتطلبات الحالية والمستقبلية ناقص، واستحضارهم للمخاطر ضعيف، وذلك ضاعف بروز العقبات فتكاثرت؛ فربما توقف العمل فخسرت الموارد البشرية والمالية والزمنية، ولذا فالتخطيط والدراسة ينبغي أن تكون متمكنة شاملة واقعية وتأخذ 40٪ من نسبة الجهد والتفكير والعمل والإعداد، والتنفيذ يأخذ 20٪ لأنه ينفذ المطلوب والمكتوب بشرط أن تكون الكفاءات مدربة متمكنة. كما لا بد من أخذ استحضار المخاطر والعقبات والخطط البديلة والبرامج المساعدة والمطورة والمحسنة والمحفزة 40٪ من نسبة الإعداد والدراسة، فلذا تكون نسبة دراسة جدوى المشروع التي تحقق نجاحه من عدمه لا تقل عن 80٪ حتى يتمكن من الانطلاق والتطبيق بمرحلية وتطور وتميز يراعي ثقل التأسيس، وضرورة استحضار أسلوب الوقاية والحماية حتى لا تضيع الجهود، ولا تهدر الطاقات والأموال. والسؤال الأهم.. هل في البرامج والمشاريع المقامة والتي ستقام دراسات وتخطيط؟ وهل نسبتها من مجمل الجهود والإعداد80٪؟. فمن المعلوم سهولة جلب من ينفذ الفكرة ويطبقها، لكن صعب جداً أن تجد من يدرسها دراسة تخبر صاحبها هل ممكن تنفيذها، أم لا؟ وما مستوى النجاح؟ وكيفية تطويرها وتوسيعها مستحضراً جميع العوامل الفاعلة فيها والمؤثرة عليها. سمعت مرة قصة جميلة بين "تاجرين" في الرياض، جلسا مرة في وليمة فذكر أحدهم فكرة مشروع تجاري ضخم، يكلف مئات الملايين من الريالات، وذكر أنه يزمع إقامته في جدة، فقال له صديقه التاجر الآخر: هل عملت له دراسة جدوى؟ قال: إنني أبحث عروض إجرائها، سأله كم كانت تكاليفها؟ قال: بين مليون ومليون نصف، قال التاجر: طيب أنا أعملها لك ب 500 ألف ريال عن طريقي، فقال: توكل على الله. فرفع سماعة الهاتف وطلب الدراسة كاملة وفيها جميع التفصيلات والنتائج ومدى نجاحه من عدمه في السوق السعودي، وكانت نتيجتها عدم مناسبته إطلاقاً، هنا التاجر الأول اختصر على نفسه بالدراسة الأولى وأفاد بها صاحبه واستثمر الدراسة إذا أرجع نصف ماله فلقد كلفته مليون ريال، وهذا الأمر: (الدراسات والتخطيط) واستحضار المتطلبات والمخاطر والتحديات ووضع الحلول والبدائل يشمل المشاريع التربوية والاجتماعية والأسرية وغيرها، وتكون ذات مصداقية إذا قام عليها الخبراء والمتخصصون المتمكنون، وكم يختصر المجرب والخبير على الجديد من وقت وجهد ومال، ومن تأمل نصيحة موسى - عليه السلام - لنبينا محمد - عليه السلام - وحديثهما في السماوات العلا علم أثر المجرب قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإسراء: (فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا 'الحديث). أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي