أكد مهتمون بحركة الترجمة على وجود إحجام كبير في عملية "نقد التراجم الأدبية"، مطالبين في استطلاع قام به "الجسر الثقافي" بإنشاء مراكز ومؤسسات للاعتناء بعملية نقد التراجم الأدبية ودعم المتخصصين فيه، وإفساح المجال لهم في المنتديات الأدبية المختلفة حتى يسهموا في تنقية تلك الأخطاء التى تقع فيها الترجمة الأدبية. ضعف الجودة بداية، تحدث الدكتور أحمد البنيان، عميد معهد الملك عبدالله للترجمة، عن واقع الحركه النقدية للتراجم الادبية، فقال: "هناك سجال بين النقاد والمترجمين على الساحة الثقافية يدار بصفة انطباعية وفردية وبصورة غير موضوعية ولا مؤسسية، وبالتالي لم تؤد تلك السجالات إلى عملية تقويم لتلك الترجمات من أجل الإسهام في تطوير حركة الترجمة بشكل عام والأدبية بشكل خاص، مع الحاجة لغربلة النصوص الأدبية المترجمة على الساحة الثقافية وتمييز الجيد من الرديء وذلك من أجل المتلقي". أما عن أبرز الأخطاء التي تقع فيها الترجمة الأدبية، فقال البنيان: " هناك ضعف واضح في جودة الترجمة من حيث النص والأسلوب والدلالة الترجمية عن اللغة الوسيطة، بمعنى ترجمة من الإنجليزية إلى العربية والنص الإنجليزي مترجم مثلا من الهندية، وبهذا ينتج عن هذا بعد النص الهدف من النص المصدر مما ينتج عنه أخطاء، ما لم يتم تداركها بالتأكد من النص الأصلي، والتركيز على القصص والروايات والجانب التجاري المترتب على الترجمة وعدم التوفيق في اختيار المادة المراد ترجمتها، وعدم وجود خطة إستراتيجية وتنسيق للمطلوب ترجمته". معايير الترجمة فيما طالب الدكتور محمود صالح، أستاذ اللسانيات التطبيقية بجامعة الملك سعود، بإفساح المجال للنقاد في المؤسسات الثقافيه لإثراء الحراك الثقافي النقدي، فقال: "في رأيي لا بد أن نفرق بين نقد الترجمة ونقد النص المترجم، فالأول يتطلب معرفة بعدة أمور أهمها معرفة الناقد للغة النص الأصلية وفهمه الجيد لها وللغة العربية المترجم إليها، إضافة إلى فهم جيد للنص المترجم وخلفياته الثقافية. وكذلك معرفة الناقد لنظريات الترجمة المختلفة (كالتواصلية والدلالية) ومعرفة بالمعايير التي تتطلبها الترجمة لأنواع النصوص المختلفة (التعريفية والتعبيرية والإقناعية) وكذلك بالجمهور المستهدف من الترجمة العامة أم المثقفين أم الأدباء". وأضاف الدكتور صالح: " أشك في توافر هذه المواصفات في العالم العربي بشكل عام، فالغالبية العظمى هم ممن يقرؤون النصوص الأدبية المترجمة، وهذا قد يكون أحد أسباب الإحجام عن هذا النوع من النقد، وفي رأيي، إننا لكي نرتقي بنقد الترجمة الأدبية نحتاج أولًا إلى البدء بالأقسام المعنية بتدريس الأدب سواء باللغة العربية أم بلغات أخرى، ونشجعها على دراسة وتدريس الأدب المقارن وأدواته اللغوية والفنية، بما في ذلك قضايا الترجمة الأدبية ومتطلباتها المشار إليها أعلاه، بذلك يتوافر لدينا عدد من المتخصصين في هذا المجال، ومن ثم نفسح المجال لهم في المنتديات الأدبية المختلفة حتى يسهموا في التوعية بهذا النوع من النقد الأدبي وبأهميته في إثراء الحراك الثقافي، خاصة، وأننا نعيش في عصر العولمة الذي يعتمد إلى درجة كبيرة على الترجمة بأنواعها المختلفة". متخصصون في الأدب فيما أرجعت الدكتورة والناقدة أميرة كشغري أسباب تهميش أدب نقد الترجمة الأدبية إلى قلة الكفاءات الدقيقة التي يتطلبها هذا التخصص مشيرة بأن العديد من الدراسات أفادت أنه إلى عام 2001م تمت ترجمة أكثر من 100 رواية عربية إلى الإنجليزية، غير أنه من الملاحظ أن هذا النمط الأدبي لا يزال يبحث عن موطئ قدم له في الثقافة العربية وفي الأدب العالمي، كما أن أغلب هذه الروايات المترجمة لا تزال غير معروفة في المحافل النقدية العربية والغربية. وتابعت كشغري، " وللإجابة على أسباب هذه الظاهرة علينا أولاً تحديد خط الترجمة المقصود، وأعني بذلك لغة النص الأدبي المصدر ولغة النص الهدف، فإذا كنا بصدد نقد ترجمة الأعمال الأدبية العربية المنقولة إلى لغات أخرى، فالسبب في نظري هو أن هذا المجال يحتاج إلى متخصصين في الأدب المقارن ممن لديهم تمكن ومعرفة جيدة باللغتين العربية ولغة الترجمة المنقول إليها النص العربي، بالإضافة إلى التخصص في مجال النقد". وأضافت، في هذا المجال هناك دراسات نقدية أجريت على الرواية العربية المترجمة غير أن معظم هذه الدراسات ركزت في مضمونها على الرواية المصرية عامة وروايات نجيب محفوظ بوجه خاص بعد فوزه بجائزة نوبل للأدب عام 1988م. وتختم كشغري حديثها مؤكدة على أهمية وجود متخصص في اللغات بحيث يستطيع مقاربة العمل الأدبي في لغته الأصلية ومن ثم نقد ترجمته العربية، متمنية من النقاد المتخصصين في مجال الأدب المقارن القيام بدورهم في إثراء الساحة الثقافية الأدبية كي يستفاد من الحراك الأدبي في مجال الترجمة" . حبيسة أدراج وحول الارتقاء بحركة الترجمة الأدبية وتفعيل دورها في العلاقات الأدبية والثقافية بين العرب والأمم الأخرى شارك الناقد والمترجم الدكتور خلف القرشي بقوله : " غياب نقد الترجمة الأدبية تشكل هاجسا يلقي بظلاله على نتاج المترجم، فقلما نجد قراءات أو دراسات تتناول هذا النتاج، ومرد ذلك من وجهة نظري الشخصية عائد لطبيعة نقد الترجمة الذي يقتضي من الناقد مثلما يقتضى من المترجم، معرفة وتمكنا من اللغتين المصدر والهدف، وهذه السمة ليست متوافرة لدى كثير من النقاد، ولا نغفل أن التعاطي نقديا مع نص أدبي مترجم، يستلزم من الناقد وقتا وجهدا يفوق عادة ما يحتاجه الناقد لتناول لون أدبي آخر كالشعر والقصة والرواية، أضف إلى ذلك أن متابعي الناقد ، لطروحاته النقدية عندما يتناول عملا غير الترجمة، سيكونون أكثر عددا، وهذا يمنحه مزيدا من الذيع والشهرة والانتشار ويعطي عمله فرصا أوسع في النشر والتقدير وأحيانا التكريم. وتابع القرشي: " الحل في نظري بيد الجامعات التي توجد بها أقسام للترجمة واللغات الأجنبية، فينبغي أن تتضمن أجندتها تناولاً نقدياً جاداً وعميقاً ومنهجياً للأعمال المحلية المترجمة، ويكون ذلك ضمن بحوث الطلبة الدراسية، وأطروحاتهم للدراسات العليا، وكذلك ضمن مشاريع ومستلزمات الترقية الأكاديمية لأساتذة الجامعة، ومن الأهمية بمكان نشر هذه الأعمال وعدم إبقائها حبيسة أدراج الجامعات".