لم تكد أسعار النفط تظهر مؤشرات للتعافي ومعاودة الصعود حتى عادت للهبوط تحت وطأة عوامل ضغط جديدة تمثلت في عودة نشاط الحفر والتنقيب في حقول النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، إضافة إلى التصدعات الخطيرة في أسواق المال الصينية. وأتت هذه العوامل لتشكل عوامل ضغط تثقل كاهل المؤشر وتتحكم في مصير المنتجين والمستهلكين وتضاف إلى التأثيرات السلبية لاستمرار أزمة الديون اليونانية، وتوقع انفراجا في مفاوضات الملف النووي الإيراني وتخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران، ما يعني وصول مزيد من النفط الإيراني للأسواق العالمية.هذه العوامل تنبئ عن عدم وجود مؤشرات حقيقية لارتفاع الطلب، وفي المقابل هناك امدادات إضافية ستصل السوق، وفي ظل ذلك ستواصل الأسعار الهبوط إلى مستوى يتراوح بين 50 إلى 55 دولارا للبرميل بحسب رأي الخبير الاقتصادي والمحلل النفطي الدكتور محمد رمادي.وقد أظهرت بيانات حديثة أن أعدد منصات الحفر في حقول الزيت الصخري الأمريكي عادت للارتفاع بعد انخفاض في أعدادها استمر 30 أسبوعا، ما يعتبر مؤشرا لعودة أنشطة الحفر في حقول الزيت الصخري بعد أن وصلت لأقل مستوى لها، وقد أعلنت شركة بيكر هيوز أنها أضافت 12 منصة حفر جديدة للخدمة ابتداء من الأربعاء الماضي في حقول النفط الصخري الأمريكية. وتدل عودة أنشطة الحفر في حقول النفط الصخري أن هذه الحقول غير التقليدية قادرة على تحقيق جدوى اقتصادية في ظل الأسعار الحالية نتيجة التطور التقني وزيادة الكفاءة، فبالرغم من فقد الأسعار 40 في المائة من قيمتها مقارنة بقيمتها في منتصف العام 2014 إلا أن الكثير من الشركات ما زالت مستمرة في أنشطة الحفر والتنقيب. ومع انخفاض الطلب العالمي على النفط، تمنح الزيادة في أعداد المنصات شعورا بامكانية ارتفاع حجم المعروض في السوق العالمي، وبأن الإنتاج لم يقل في الولاياتالمتحدة، ما يضغط على الأسعار تجاه الهبوط. وأوضح الدكتور محمد رمادي أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن انخفاض أسعار النفط أخرج صغار المستثمرين من صناعة النفط الصخري، ولكن الشركات الكبرى قادرة على البقاء وتحمل تقلبات الأسعار وتحقيق مكاسب طويلة الأجل. وأضاف: إن الولاياتالمتحدة استطاعت توفير 5.5 مليون برميل من النفط يوميا من خلال الاستثمار في حقول النفط الصخري ولن تتنازل عن هذا الإنجاز الذي يغطي أكثر من ربع احتياجاتها المحلية، ويجب على منظمة «أوبك» أن تتفهم أن النفط الصخري سيبقى جزءا من الإنتاج العالمي. وأشار رمادي إلى أن ارتفاع منصات الحفر وعدد الآبار ليس مؤثرا على السوق، لأن المهم هو حجم الإنتاج والكميات التي تصل إلى السوق، لافتا إلى أن التقدم التكنولوجي يساهم في رفع معدلات إنتاج آبار النفط الصخري ويمكنها من البقاء في الخدمة مدة أطول. ونقل عن الرئيس التنفيذي لشركة شل بن فان بيوردن قوله إن منظمة «أوبك» قد تسببت في تباطؤ الاستثمار في النفط الصخري الأمريكي نتيجة إبقائها على سقف مرتفع للإنتاج، وأضاف انه بالرغم من ضعف الأسعار فإن إنتاج النفط الصخري سيستمر. وشكل الهبوط الذي شهده سوقان ماليان رئيسيان في الصين عنصر ضغط جديدا على أسعار النفط، فبعد الارتفاعات الكبيرة في مؤشري شينزن وشانغهاي خلال العام الماضي، بدأت تصدعات خطيرة في هذين المؤشرين مع مطلع يوليو الحالي، وفقد مؤشر شينزن 30 في المائة من قيمته كما فقد شانغهاي 25 في المائة، وتدخلت الحكومة الصينية الأسبوع الماضي لوقف النزيف. وبما أن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط في العالم فإن أي أزمة مالية فيها تشكل تأثيرا كبيرا على حجم الطلب على النفط وبالتالي على الأسعار. من جانب آخر يحمل الانفراج في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني عواقب سلبية على الأسعار، فبالرغم من الشكوك حول قدرة إيران على العودة بكميات إنتاج أكبر للأسواق إلا أن تقارير تشير إلى أن إيران تجهز اسطولا ضخما لاستئناف التصدير للغرب في حال التوصل إلى اتفاق حول ملفها النوي.ويبدو أن مفاوضات دول 5 + 1 مع إيران تحقق تقدما بالرغم من أن العديد من القضايا الحساسة لا تزال عالقة، وأعطى تصريح وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس مؤشرا لتقدم المفاوضات رغم أن فرنسا إحدى أكثر الدول تشددا حيال برنامج إيران النووي، وتشير التوقعات الى أن الوصول إلى اتفاق قد يتحقق هذا الأسبوع وهو خبر سيئ لأسعار النفط. ويقول الدكتور رمادي: ان إيران ستضخ كميات أكبر من نفطها إلى السوق بعد الاتفاق حول برنامجها النووي، مضيفا انه حتى في حال عدم قدرتها على العودة السريعة إلى كامل قدراتها الإنتاجية إلا أن لديها مخزونات جاهزة للشحن والبيع.ومن الأسباب التي لا تدعو للتفاؤل حول أسعار النفط استمرار أزمة الديون اليونانية، وعدم وصول الأطراف المعنية إلى اتفاق، وعدم وضوح نتيجة التصويت الذي يقوم به اليونانيون ابتداء من يوم أمس الأحد، فبالرغم من ارتفاع طفيف للمصوتين لصالح مزيد من إجراءات التقشف لبقاء اليونان ضمن منطقة اليورو في استطلاعات مسبقة، إلا أن دعوة رئيس الوزراء اليوناني لمواطنيه للتصويت ب»لا» زادت من احتمالات انفصال اليونان عن الاتحاد الأوروبي. وسيتسبب انفصال اليونان في نقص الثقة في الاتحاد الأوروبي ويضعف اليورو أمام الدولار ما يؤثر سلبا على أسعار النفط وغيرها من السلع الأولية المقومة بالعملة الأمريكية.