أمضيتُ أكثر من 30 سنة في الكتابة حول السياسة والاقتصاد، لكني لم أشهد من قبل قط مثل هذا الفصل من انعدام الكفاءة المتواصل والمدمر والمؤدي إلى التفكك، والذي يدعي أصحابه أنهم على حق. وأنا هنا لا أتحدث عن ألكسيس تسيبراس وحزب سيريزا. مع تصاعد الأضرار، فإن الجهد اللازم لإعادة كتابة تاريخ الفشل المذهل للاتحاد الأوروبي أخذ يتحرك منذ الآن. بانتظار تقرير الترشيح النهائي الكامل للجثة، أرى أن الأمر يقتضى إعطاء نوع من التوضيح حول القضايا المباشرة. يوم الاثنين الماضي قال جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، في مؤتمر صحفي، إنه تعرض للخيانة من قبل الحكومة اليونانية. قال: إن المؤسسات الدائنة كانت تُظهِر المرونة وكانت تسعى نحو التسوية. وأكد أن أحدث عرض للدائنين كان يشتمل على عدم تقليص الأجور، وعدم تخفيض الرواتب التقاعدية، وإنما كان عبارة عن صفقة تهدف إلى تحقيق «المزيد من العدالة الاجتماعية». معنى ذلك أن تسيبراس ضلل اليونانيين بخصوص تلك الصفقة التي كان يريدها الدائنون. وأن المحادثات كانت هائمة على وجهها ولم تحقق أي تقدم. وأنه كان من الممكن الاتفاق على تلك الصفقة "بسهولة" لو أن تسيبراس لم يعرِّض العملية للانهيار في يوم الأحد حين طالب بإجراء استفتاء شعبي. يا له من تشويه شنيع! منذ أن بدأت تلك المحادثات قبل خمسة أشهر، تزحزح كلا الطرفين، لكن تسيبراس أعطى تنازلات أوسع بكثير من الدائنين. على وجه الخصوص، كان مستعدا لقبول المزيد من التقشف في المالية العامة - وهذا تنازل ضخم من جانبه. صحيح أن العرض الأخير يتطلب تشكيلا معتدلا نوعا ما فيما يتعلق بفوائض الميزانية الأولية يفوق ما طالب به الدائنون في البداية، ومع ذلك، فإن هذا التشكيل المعتدل يظل يطالب أن تلتزم اليونان بسياسة صارمة شديدة في المالية العامة (بصورة غير عقلانية). في المقابل، رفض الدائنون التنازل بشأن إدراج مسألة التخفيف من عبء الديون في المحادثات الحالية، حيث يصرون عبثا على أن هذه مسألة سيتم التعامل معها لاحقا. يوم الثلاثاء، قام تسيبراس بمحاولته اليائسة لإحراز تقدم في هذه القضية. وبدلا من إبداء أي رغبة في التوصل إلى حل وسط، بقيت الأصوات المهيمنة بين الدائنين - لا سيما وزير المالية الألماني وولفجانج شويبله، الذي كان يبدو دائما أنه هو الذي يمسك بمقاليد الأمور - تقول أنه لا يوجد ما يمكن مناقشته. إذ كانوا يقولون إن البرنامج المطبق حاليا الآن يجب أن يتم إكماله، ولا مجال للنقاش في الموضوع. نعم، لقد فشل البرنامج. وصحيح أنه لم يتمكن من تحقيق القدرة على استدامة الديون. بالتأكيد، كان يعمل على سحق المستويات المعيشية في اليونان أكثر حتى مما كانت الأمور عليه من قبل. ما علاقة ذلك بالمسألة؟. يقول يونكر: إن العرض الأخير لم يطالب بخفض الأجور. فهل يمزح؟ يقول العرض إنه ينبغي تحديث "شبكة الأجور"، بما في ذلك "فك الضغط عن توزيع أجور القطاع العام". في ظاهر الأمر، فك الضغط ينطوي على إحداث تخفيضات. إذا كان الدائنون يطالبون بفك الضغط عن أجور القطاع العام بحيث يصبح من الممكن زيادة الأجور، ربما كان ينبغي عليهم جعل ذلك واضحا. بغض النظر، إن الزيادات في ضرائب القيمة المضافة التي طالب بها الدائنون تعني في النهاية تخفيض الأجور الحقيقية، في القطاعين العام والخاص على حد سواء. وبالنسبة لعدم تخفيض المعاشات التقاعدية، دعا الدائنون إلى الإلغاء التدريجي للعقوبات الجديدة المفروضة على الذين يريدون التقاعد المبكر وما يسمى بمدفوعات التضامن الاجتماعي لأصحاب المعاشات الأشد فقرا. تلك هي التخفيضات. دعا الدائنون أيضا إلى أشياء كثيرة أخرى. تذكر أن الاقتصاد اليوناني في وضع حرج، حيث انهارت المستويات المعيشية ووصل معدل البطالة إلى 25 بالمائة. الآن اقرأ وثيقة العرض، وانظر إذا كنت تعتقد أن التقدم في "العدالة الاجتماعية" الذي أكد عليه يونكر في مؤتمره الصحفي يظهر مرة أخرى. لكنني لم أذكر التشويه الأكبر من بين هذه المطالب جميعا. لاحظ يونكر للمرة الأولى أن اليونان فيها مواطنون من الاتحاد الأوروبي داخل حدودها، وتوجه إليهم مباشرة فيما يتعلق بموضوع الاستفتاء في الخامس من يوليو. سيُطلَب من اليونانيين أن يدلوا بأصواتهم فيما إذا كانوا يوافقون على العرض المقدم من قبل الدائنين - وهو عرض، بالمناسبة، يقول الدائنون إنه لم يعد قائما. فسر يونكر ذلك قائلا: "الرفض (بالنسبة للعرض الذي لم يعد قائما) من شأنه أن يعني أن اليونان تقول لا لأوروبا". وضح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قائلا: إن التصويت قد يحدد "فيما إذا كان اليونانيون يريدون البقاء في منطقة اليورو". هذا كلام فارغ. لا شك أن اليونانيون يريدون البقاء في نظام اليورو - رغم أنني أجد أن معرفة السبب أمر صعب بشكل متزايد. إذا غادرت اليونان النظام، فلن يكون السبب في ذلك هو أن اليونانيين يقررون المغادرة، وإنما سوف يكون بسبب قرار أوروبا طردهم. إن هذا ليس مجرد اختلاف حول معاني الألفاظ. ليس هنالك أي سبب، في القانون أو المنطق، يوضح لماذا يستلزم التعثر أو الإعسار اليوناني خروجا من اليورو. يقوم المصرف المركزي الأوروبي بسحب الزناد المؤدي إلى الخروج عن طريق اختيار - لاحظوا أن الكلمة المستخدمة هي "اختيار" - حجب خدماته باعتباره مقرض الملاذ الأخير للنظام المصرفي اليوناني. هذا هو ما فعله هذا الأسبوع. وهذا ما كان السبب وراء إغلاق المصارف وخلال فترة قصيرة، سوف يرغم السلطات اليونانية على البدء بإصدار عملة موازية على شكل سندات دين. إن البنك المركزي الأوروبي المستقل حقا، المستعد لعمل كل ما يلزم للدفاع عن نظام اليورو، كان بإمكانه أن يعلن أنه سيواصل إمداد المصارف اليونانية بالسيولة النقدية. إذا كانت المصارف المركزية سوف تُعتبر (عندما يحين الوقت المناسب) أنها في حالة إعسار (الأمر الذي لم يحدث بعد)، فإن هذا لا ينبغي أن يؤدي إلى خروجها، أيضا. لدى أوروبا المقومات اللازمة وآلية الإنقاذ المصرفية التي تُمكَّنها من الاستحواذ على البنوك وإعادة رسملتها. لكن الطريق أصبح مسدودا أمام هذه الخيارات، لأن البنك المركزي الأوروبي، الذي يفترض أنه بعيد عن المماحكات السياسية، سمح لوزراء مالية أوروبا باستخدامه كمطرقة لانتزاع تنازلات ضريبية من اليونان. لم يتصور أحد أبدا أن إعسار حكومة معينة في أوروبا يمكنه فرض خروج تلك الحكومة من منطقة اليورو. أدرك الناس بحق أن مجرد إمكانية حدوث مثل هذا الأمر يعتبر خللا فادحا في تصميم النظام. إذا كان تصويت اليونانيين بالرفض، فإن الخروج من اليورو يعد نتيجة محتملة بل وحتى ممكنة. لكن فيما لو حدث ذلك، فإن السبب لن يكون في أن اليونان اختارت الخروج من النظام. السبب سيكون هو أن الاتحاد الأوروبي ومصرفه المركزي المسيس اختارا فرض الخروج كنوع من العقاب.