يتفق المتخصصون في الإعلام على أن شبكات التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بالإعلام الجديد أو الإعلام البديل أحدثت ثورة في مجال الاتصال في المجتمعات البشرية عموماً، وفي المجتمعات العربية على وجه الخصوص، فقد أنهت ثورة الاتصال الجديدة عدداً من المفاهيم التي كانت تمسك بمنظومة الاتصال البشري كمفهوم حارس البوابة وأحادية مصدر الرسالة، واستحدثت مفاهيم جديدة كالوسائط الرقمية والمجتمعات الافتراضية والتفاعلية الإلكترونية، وقد كان الإعلام العربي التقليدي يخضع لمفهوم حارس البوابة، حيث كانت النخبة المثقفة التي يمكنها أن تقف على سُدة المنبر الصحفي أو المنبر الفضائي تخضع -قبل السماح لها بالظهور في المجال العام- لاشتراطات أو لمعايير معينة وضعها حارس البوابة أو القائمون على المؤسسة الصحفية أو الفضائية، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى استئثار فصيل فكري متناغم بفضاء الخطاب الثقافي، واستبعاد كل النخب الوطنية المثقفة التي ربما لم تلتزم بالمعايير الموضوعة، ومن هنا جاءت ثورة الإعلام الجديدة وطوفان شبكات التواصل الاجتماعية؛ لتعيد تموضع التيارات والنخب الفكرية بما يتناسب مع حجمها الحقيقي في المجتمعات العربية، وأصبحت الفرصة متساوية لدى كافة الأطياف الفكرية لتقديم أطروحاتها وخطابها الثقافي للجمهور دون أن تخضع لفلترة أو تقليم من نوع خاص يخضع لمعايير حارس البوابة. من جهة أخرى، فنظرية حارس البوابة خلقت حالة من الكمون حيناً والخمول أحياناً للخطاب الثقافي، وهذا الانفتاح الكبير في الإعلام الجديد الذي لا يحتاج لرأسمال بل غاية ما يتطلبه جهاز جوال أو حاسوب شخصي أوجد لدى الأطياف والنخب الفكرية التي كانت مهمشة حالة من الاندفاع الكبير لشغل الفضاء الإعلامي الجديد، وهذا الاندفاع الذي يعقب أي حالة استئثار من الطبيعي أن يشهد انحناءات حادة؛ لأن الشعور بالانفراج والحرية بعد منع وكبت يخلق تشوهات سلوكية وفكرية في خطاب النخب والجماهير المهمشة، ولكن هذه التشوهات والانحناءات لا يمكن علاجها أو تحجيمها عبر لغة النقد الحادة وتعميم لغة الإدانة لفضاء الإعلام الجديد، نعم لا يمكن إنكار الفضاء الواسع الذي صنعته شبكات التواصل الاجتماعي مع إيجابياته ومكاسبه العديدة، إلا أن له مظاهره السلبية وإفرازاته الخطيرة، فقد ظهرت حالات عديدة من التجاوزات على الثوابت الشرعية والدعوات الإفسادية التي تهدد وحدة هذا الوطن، وتطمع في خلخلة نسيجه الاجتماعي وزعزعة السلم الأهلي، ولكن هذا يستلزم تقديم حلول إبداعية لاحتواء هذه الانحرافات بدلاً من المقترحات الشائعة التي تُعلي من صوت الإقصاء والمنع بدلا من الاستيعاب والاحتواء.