الجمال؛ هو جمال الروح. الجمال؛ جمال الأخلاق. مقولة أو حكمة تم ترديدها ولا يزال على ألسن العرب. وهي مبدأ يتحدث به الناس نظريا لكن ليس من قناعة تامة دائما. بل إنك تشعر أحيانا عندما تسمع مثل هذه الكلمات والجمل أن هناك شخصا تقليديا يتحدث لك بعبارات مستهلكة لا تكون مقنعة له قبل أن تكون مقنعة لك. ذلك يحدث ليس لأن قيمة الأخلاق غير مهمة عند البشر لكن لأن معظم الناس تهتم بجمال المظهر وأمور أخرى أولا قبل قضية الجمال الأخلاقي، وهذا يحدث مثلا بصورة جلية عند اختيار شريك الحياة ويحدث أيضا في معايير القبول لبعض المهن، خاصة التي تتطلب مقابلة الجمهور والعملاء وترويج بعض المنتجات. ومما يدل على تأثر الناس بالمظهر والجمال الخارجي؛ أظهرت نتائج بعض الدراسات الأجنبية أن المجرمين الوسيمين يحصلون على أحكام مخففة مقارنة بأقرانهم الذين ارتكبوا ذات الجرم، وذلك يحدث لأن مجريات التحقيق معهم تأخذ طابعا مختلفا عن غيرهم، ورغم أننا لا نستطيع أن نبني أحكاما معينة من نتائج هذه الدراسات ونعممها على باقي المجتمعات إلا أننا نرى أن مثل الحقائق تصدق على واقعنا كثيرا، وأقرب مثال بسيط يمكن أن نستدل به هو، ملاحظة التفرقة بين الأطفال الأكثر جمالا في الفصول الدراسية مقارنة بغيرهم، فكثير من الأحداث والقصص والشكاوى مرت على مسامعنا في قضية تدليل الأطفال الأكثر جذبا وجمالا خاصة في الصفوف الأولية من المعلمين بل ويحدث من بعض الأسر، وهذا يحصل في كثير من الأحيان بطريقة تلقائية بدون أن يشعر بها المعلم أو الآباء وذلك لأن النفس مجبولة على حب الجمال. المهم هنا أن ظاهر حديثي قد يوحي بأنني أعطي مبررات لفتنة الإنسان بجمال المظهر، لكنني في الحقيقة أصف سلوك البشر وتعاملهم مع قضية الجمال الخارجي للإنسان وهو أمر ليس بجديد، إنما المغزى الحقيقي أن ألفت النظر إلى أن بعض الطباع والأخلاق فيها من الجمال ما يدعو إلى التأمل والإعجاب والوصول بنا أحيانا حد القول سبحان من خلق هذا البشر. هذا النوع من الجمال يعجز عن رؤيته البعض، خاصة من تغريه تفاصيل الملامح والجسد. إن كنت ممن يستمتع بجمال الأخلاق مع صديق أو قريب أو حتى شريكك في الحياة، فأنت صاحب نظرة مختلفة تميزك عن الآخرين، وهذا يحدث عندما تشاهد هذا الجمال بصورة معمقة، وتستمتع بأدق تفاصيلها وليس بمجرد نظرة عامة تعرف من خلالها جمال خلق هذا عن ذاك. ولكي تعرف كيف يتفاوت الناس في هذه النظرة تأمل على سبيل المثال قصائد الشعراء، وكيف انقسم معظمهم في الغزل بتفاصيل جمالية خارجية وربطوها بمشاعر العشق والهيام. بينما تفردت فئة منهم بوصف جوانب أخلاقية معينة في المحبوب بطريقة غزلية رائعة وهذا يحدث لأن تلك الفئة تملك نظرة تقفز إلى الأعلى والأعمق. ماذا سيحدث في العالم لو أن معظم البشر أدركوا قيمة هذا النوع من الجمال وحاولوا أن يجملوا أخلاقهم كما يجملون مظهرهم، ماذا لو حرصوا على إتيكيت التعامل الأخلاقي مع الآخرين كما يحرصون على انتقاء نوع عطرهم أو كما يحرصون على انتقاء نوع مركباتهم، ماذا لو حاولت النساء مرارا تجميل أخلاقهن بالقدر الذي يحاولن به تجميل وتغيير ملامحهن في العيادات التجميلية أو بآخر صيحات الموضة والميك أب. كيف ستكون الحالة الأخلاقية للبشر حينها؟. * إعلامية وباحثة اجتماعية