شهدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية تنمية عمرانية وصناعية وزراعية كبرى، تمت بمعدلات نمو سريعة لعبت فيها عائدات النفط دوراً كبيراً وهاماً. وشهدت تلك الدول تطوراً في مجال الصناعة واستغلال الموارد الطبيعية بفضل أحدث أساليب العلم والتقنية. وعلى صعيد الجهود المبذولة خليجيا لحماية البيئة، فقد صادق المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السادسة في قمة مسقط (1985) على الإطار الإستراتيجي للعمل البيئي على المستوى المحلي والإقليمي، ممثلاً بالسياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة التي انعكست آثارها الإيجابية على تنشيط عمل أجهزة حماية البيئة في دول مجلس التعاون، مما زاد من فعاليتها على الصعيد البيئي. وكثمرة لتلك السياسات، أقر الوزراء المسؤولون عن البيئة في دول المجلس خطة عمل أساسية عملت الأجهزة المعنية بالبيئة في الدول الأعضاء على تنفيذها بالتنسيق مع الأمانة العامة، من أجل إيجاد صيغة مناسبة علمية متفق عليها لحماية البيئة وصيانة مواردها الطبيعية، بشكل يتفق مع أهداف التنمية الشاملة المستمرة وتحقيقاً للاستفادة القصوى من إمكانات الدول الأعضاء بشرياً ومادياً وتطويراً لقدرات كل منها في العمل المحلي المشترك. وفي ما يتعلق بخطة العمل البيئي المشترك التي أقرها الوزراء المسؤولون عن شؤون البيئة في دول مجلس التعاون، عملت الأمانة العامة للمجلس من خلال التنسيق مع أجهزة حماية البيئة في الدول الأعضاء على بلورة جميع الجهود الفردية وتنسيقها ووضعها في قالب مشترك. وقد خرجت بالكثير من الأعمال المشتركة في المجالات المختلفة الخاصة بالبيئة، ومنها تنسيق السياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة وإستراتيجيات العمل البيئي. فصادق المجلس الأعلى في دورته السادسة المنعقدة في مسقط عام 1985 على الإطار العام للسياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة في دول المجلس، لتكون هي المنطلق ولبنة الأساس في وضع الاستراتيجيات والمشاريع المشتركة للعمل البيئي في المستقبل. كما تبرز أمامنا تجربة المملكة العربية السعودية فيما يخص حماية البيئة المرتبطة بتشييد المدن الصناعية الكبرى ومنها مدينتا الجبيل وينبع واللتان اوكل للهيئة الملكية للجبيل وينبع عملية الاشراف والترخيص والمتابعة للصناعات المتواجدة بها، ولقد اولت الهيئة الملكية جل اهتمامها للمحافظة على البيئة وقامت بإعداد البرامج البيئة ودعمت هذه البرامج بالاجهزة المطورة وفقا للمعايير الدولية المعتمدة، ولعل من أهم البرامج التي تنفذها الهيئة الملكية برنامج المراقبة البيئية والذي يشمل مراقبة جودة الهواء والمياه والتخلص من النفايات الصناعية وفقا لاحدث الطرق المتبعة بيئيا. وبدون شك فإن هذه الجهود جاءت لتواكب تحديات وأخطارا متزايدة مرتبطة بالبيئة، حيث حذر تقرير للأمم المتحدة من أن قطاع الإنتاج والتجهيز في قطاعات مثل الزراعة، والغابات ومصائد الأسماك، والتعدين، والتنقيب عن النفط والغاز والمرافق يكلف الاقتصاد العالمي 7.3 تريليون دولار في السنة نتيجة الضرر الذي يلحق بالبيئة والصحة والمنافع الحيوية الأخرى للبشرية، داعيا إلى اتخاذ إجراءات صارمة بشأن الاستدامة البيئية. وحسب ما جاء في تقرير»رأس المال الطبيعي في خطر - وأفضل 100 من الآثار الخارجية لإدارة الأعمال،» تأتي الغالبية العظمى من التكاليف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لتشكل 38 في المائة، يليها استخدام المياه (25 في المائة)، واستخدام الأراضي (24 في المائة)؛ وتلوث الهواء (7 في المائة) والأراضي وتلوث المياه (5 في المائة) والنفايات (1 في المائة ). وتشمل القطاعات الأعلى تأثيرا حسب المنطقة الطاقة المولدة من الفحم في شرق آسيا وأمريكا الشمالية والتي تحتل المرتبة الأولى والثالثة على التوالي – وتقدر الأضرار ب 453 مليار دولار سنويا في آسيا الشرقية و 317 مليار دولار في أمريكا الشمالية من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتكاليف الصحية والأضرار الأخرى نتيجة تلوث الهواء. وعلى الصعيد الخليجي، من الطبيعي أن تفرز النهضة العمرانية والتنموية بعض الأضرار المتعددة والمتباينة على الأنظمة البيئية، نجمت عنها مشاكل بيئية جديدة وتفاقمت بسببها مشاكل بيئية كانت موجودة أصلاً. وقد زاد من حدة تلك الأضرار آنذاك ضعف العلاقة بين التنمية والبيئة وعدم اكتمال السياسات والخطط الوطنية في القطاعات كافة. وبالتالي، فإن إدخال المكونات البيئية في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقييم الآثار البيئية لم يكن ممارساً ولم يكن من الإلزاميات الرسمية على صعيد المنطقة كلها. ومما زاد من تعقيد التحديات البيئية في دول التعاون خلال السنوات الماضية هو ما تمر من تقلبات حادة في مناخها لها انعكاساتها اجتماعيا واقتصاديا. كذلك الزلازل في إيران التي تحتضن مفاعلات نووية والتي قد تهدد بكوارث اشعاعات بييئية، حيث سعت دول المجلس إلى وضغ خطط طوارئ مع أكبر الشركات في العالم؛ ما يرفع قدرة دول الخليج على احتواء الأزمات البيئية، التي لا يمكن إيقافها، لكن يمكن الحد منها ومن أضرارها. ويطالب خبراء دوليون دول المجلس بضرورة إيجاد خطة استراتيجية خليجية متكاملة لمواجهة تحديات البيئة والمياه التي تواجهها مؤكدين على أهمية أن تنطلق برامج حماية البيئة في المنطقة من أهداف اقتصادية واجتماعية. ولعل العامل الأهم في تحقيق استدامة بيئية هو ترشيد استهلاك الطاقة، حيث ان ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة محليا في دول الخليج يهدد إمدادات الطاقة للعالم ككل. فبلد مثل اليابان يفتقر إلى الموارد الطبيعية مما شجعه خلال تاريخه الطويل على تطوير تقنيات ترشيد استهلاك الطاقة، وأصبح الترشيد ثقافة راسخة لدى اليابانيين، وهي ثقافة نفتقدها في مجتمعاتنا الخليجية. كما أن ارتفاع أسعار النفط عزز لديهم هذا التوجه بشكل خدم القضايا البيئية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف قامت اليابان بتطوير تقنيات عديدة ومتطورة لإيجاد بيئة مستدامة، بينما إهمال بعض الدول الصناعية الناشئة مثل الصين والهند لقضايا البيئة وضعها في موقف حرج مضر ببرامج التنمية فيها وخاصة على المدى البعيد.