يجب أن نعلم أنه ليست كل عقيدة منتسبة للدين قادرة على خلق آثار إيجابية حسنة في الأخلاق والابداع والكمال في الانسان والحياة، إما لأنها منتسبة إلى الدين ولكنها ليست منه حقيقة وإما أنه وقع فيها من التحريف ما أبطل أثرها الحسن، لأن العقائد إنّما تكون قادرة على التغيير الإيجابي حينما تكون عقيدة صحيحة الانتساب للدين وعندها لن تكون مناقضة للعقل الصريح ولا السنن الكونية، وهذا يعني أنها من الوحي الصحيح الذي وصل للناس بطريق صحيح. فتلك العقائد الصحيحة هي التي توجد الحركة المبدعة وتورث الأخلاق الحسنة والحياة المستقيمة، وكل عقيدة لا ينشأ عن العمل بها رقي للإنسان فهي عقيدة محرفة أو خرافية ولو نسبت للدين، وفضلا عن احباط تلك العقائد جوانب الخير والابداع في الانسان فإنها تكون محطمة للإنسان إما بصور رهبانية أو ميول سلبية وآثار سيئة مما يعني أن العمل بتلك العقائد المحرفة أو التي لا تمت إلى الوحي الصحيح بصلة. ولذلك نجد المفكر الغربي يتهم الدّين بأَنَّه عامل للتخلف والانحطاط، وأنه مضاد للتقدم والرقي، وإنما يقصد بذلك العقائد الدينية المحرفة أو التي لا تمت للوحي الصحيح بصلة. إِنَّ الدين الصحيح يلغي الفوارق السلبية التي لا تقوم على أَساس منطقي كالامتيازات النابعة من القوة والسلطة والاعتبارات الشكلية، ولا يلغي الفوارق الإِيجابية التي لا تنفكّ عن أَفراد البشر الناشئة من طبيعة الانسان مما لا يقبل الحذف أو التغيير، فكما أنَّ أَصابع اليد الواحدة تختلف كل واحدة منها عن الأخرى، كذلك أَفراد البشر يتفاوتون من حيث العقل والفكر، والحركة والنشاط. إن الإِيمان بأن مبدأ الخلق من خالق ومنتهاه إليه فطرة في تكوين الإِنسان كما فطرت فيه الميول والغرائز. إن إدراكات الإِنسان إما أن تكون وليدة عوامل خارجة عن وجود الإِنسان بحيث لولاها لم يقف الإِنسان عليها بتاتا، مثل ما وقف عليه من قوانين الفيزياء والكيمياء والهندسة. وإما أن تكون ادراكات نابعة من داخل الإِنسان وفطرته دون أن يتدخل فيها إِيحاء عامل خارجي، كمعرفة الإِنسان بنفسه وإِحساسه بالجوع والعطش، ورغبته في الزواج، تلك الأَحاسيس تنبع من ذات الإِنسان. ولذلك يقول علماء النفس إنَّ للنفس الإِنسانية أَبعاداً أَربعة يكون كلُّ بعد منها مبدأً لآثار خاصة. البعد الأول: هو روح الاستطلاع واستكشاف الحقائق في الروح الإنسانية وهو خلاق للعلوم والمعارف، ولولاه لما تقدم الإِنسان شبرا في العلوم، واستكشاف الحقائق. البعد الثاني: هو حبّ الخير وطلب العدل والقسط عند كل إنسان في عامة الأَجواء والظروف، والنفور من الظلم والجور إلى غير ذلك من الأَفعال التي يصفها كل إِنسان بالخير أو الشر، فيجد في أَعماق ذاته ميلاً إلى الأَوّل وابتعاداً عن الثاني، وهذا النوع من الإحساس مبدأٌ للقيم والأَخلاق الإِنسانية التي ينزع بها إلى البرِّ والبعد عن الشر. البعد الثالث: هو عشق الإِنسان للجمال في مجالات الطبيعة والصناعة فالمصنوعات الدقيقة والجميلة، واللوحات الفنية والنماذج الرائعة تستمد روعتها وجمالها من هذا البعد، فكل إِنسان يجد في نفسه حبا أَكيدا للحدائق الغناء المكتظة بالأَزهار العطرة، والأَشجار الباسقة، كما يجد في نفسه ميلاً إلى الصناعات اليدوية المستظرفة، وحباً للإِنسان الجميل المظهر، وكلها تنبع من هذه الروح التي فطر عليها الإِنسان. البعد الرابع: الشعور الديني الذي يتأجج خصوصا لدى الشباب في سن البلوغ، ويدعو الإنسان إلى الاعتقاد بأَنَّ وراء هذا العالم عالماً آخر يستمد وجوده منه، وأنَّ الإِنسان بكل خصوصياته متعلق بذلك العالم. إن هذا البعد الرابع الذي اكتشفه علماء النفس، وأَيدوه بالاختبارات المتنوعة هو الذي ركزت عليه آيات كثيرة منها قوله تعالى:(فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) فالفطرة داعية الايمان التي يرتكز فيها الايمان ويقوم عليه كمال الانسان. * مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة سابقا