أخذ شهر رمضان نصيبه من إبداعات الشعراء بذكر مستفيض وفواح، سواء في الادب والشعر القديم أو الحديث، ومن خلال هذا الاستطلاع نكتشف كيف تناول الشعراء (شهر رمضان المبارك)، وكيف أمعنوا فيه النظر ليستخلصوا منه الدروس والعبر، وكيف عاشوا بقلوبهم وعقولهم ووجدانياتهم أيامه ولياليه ليكتبوا بعد ذلك خلاصة إنتاجهم على الورق، لينهل منه المتأمل والمشتاق ويعتبر بما فيه من عبر. حضور متفاوت في البداية اوضح الدكتور أحمد الطامي أستاذ الأدب العربي الحديث ونقده بجامعة القصيم أن "شهر رمضان" له حضوره في الشعر العربي قديما وحديثا، إلا أن حضوره متفاوت بين الماضي والحاضر، ففي الشعر العربي القديم لم يكن "رمضان" من الموضوعات التي يتطرق إليها الشعراء بكثرة، بل يكاد يكون حضوره على استحياء. وقال: "لا نكاد نجد قصائد مؤثرة عن رمضان في الشعر القديم، وأغلب ما وصل إلينا عن الشهر الكريم عبارة عن مقطوعات تصف هلال رمضان أو تهنئة للخليفة بحلوله أو ما شابه ذلك، ويبدو لي أن الشعر الأندلسي والمغاربي أكثر احتفاء برمضان من الشعر المشرقي في الأدب العربي القديم". وأضاف الدكتور طامي: "لكن الحضور الحقيقي لرمضان في الشعر العربي هو في العصر الحديث، حيث يضرب الشعراء السعوديون بسهم وافر في الاحتفاء برمضان أمثال عبد القدوس الأنصاري ومحمد إبراهيم جدع ومحمد حسن فقي وحسين عرب وغيرهم، كما كان للشعراء العرب في العصر الحديث احتفاءاتهم بشهر رمضان كالشاعر أحمد شوقي ومحمد حسن إسماعيل وياسين الفيل وعمر بهاء الدين الأميري وغيرهم، وقد تفنن شعراء العصر الحديث في التعبير عن مشاعرهم تجاه رمضان بدءا بالترحيب بمقدمه، إلى تعداد فضائله، والشوق إليه، والنور الذي يشع على الكون بحلوله، وشعور الصائم أثناء صيامه، ورغم المكانة الكبيرة لرمضان لدى المسلمين إلا أني أرى أن حضوره في الشعر العربي - قديما وحديثا- لا يتناسب من حيث مكانته الكبيرة في نفوس المسلمين". طقوس الشعر أما الشاعر إبراهيم الوافي، فتحدث حول الشعراء وطقوسهم الرمضانية قائلا: "بالنسبة لي قد لا ابتعد كثيرا عن أقراني ممن يتعايشون مع القصيدة كحالة، سواء كقراءة أو كتابة، والحقيقة أنني كنتُ قد أسهبت في هذا الأمر ذات مقالة، ولا بأس من اختصاره حينما تتشابه السنوات ويعبر قطار العمر فتزداد علاقاتنا بطقوسنا، والحقيقة أنه في كل رمضان أتساءل عن الشعر فيَّ، فيجيبني غيابه، وأتساءل عنه لدى الأصدقاء فتداهمني طقوسهم غير الشعرية، أعود لأتساءل عن الغاوين، وجلّهم يأخذهم القرآن في مجمل الوقت الرمضاني في حين يستأثر التاريخ غالبا في البقية الباقية منه، فيسقط زمن الشعر من يومهم الرمضاني، كما ذكر لي أكثر من غاوٍ يتتبّع ظلي، صداقةً أو كرامةً شعرية، أو حتى بغرض إتمام بحث دراسي". ويتابع الوافي: "يغيب الشعر غالبا عن طقوس رمضان، وكأن هيبة شهر الصوم المقدّسة تنكر على الشعر اتهامه التاريخي بالغواية، على الرغم من حالة الاستثناء التي جاءت بها الآية الكريمة من أجل تبرئة الشعر من مطلقها، على أني أرى أن الأمر كما يبدو لي أكثر عمقا وأكثر رؤيا، يتمثل في حالة الكتابة الشعرية المعاصرة ذاتها حينما تنشدُ المطلق في كل شيء، في النوم والسهر والأكل ومباشرة الحياة بشكل كامل من أجل خلق فضاءٍ شعريٍّ بلا قيود، وبإمكان القصيدة حينها أن تتشكّل رؤيا على شكل فّقاعة في الفضاء، لا يهمها أين ستنفجر أو متى أو من هم الذين سيتشاركون في استنشاق هوائها الرطب". ويختم الوافي حديثه مؤكدا ان القصيدة المعاصرة تولد بلا ضوابط تأمّلية، وبلا حسابات زمنية، وبلا مخالجاتٍ روحية ويقول: "هي اشبه بحالة من اللاوعي الوجداني الخالص المتحرّر من الصحو، في حين أن الروح المسلمة متكيّفة دائما مع خصوصية رمضان ومروّضةً لنفسها عليه فيما يتعلّق برغباتها ونزعاتها وحتى تأملاتها، لكن القصيدة الحديثة الجادة لا تكون في أجمل حالاتها إلا حينما تتلبّسها حالة من تمرّد لا تأتي مع الترويض، فضلا عن قلقها الدائم الذي لا يتّسق مع السكينة الرمضانية حيث لا تشكِّل حضنًا لها، وينطبق هذا على كل حالات القصيدة الزمنية من أول التخلّق حتى آخر التلقّي، ولهذا ربما يغيب الشعر في رمضان، ويحضر بعده حيث تعود الروح المتأمّلة من رحلة استسلامها لمناقشة الوجود وقراءته بحالة من التمرّد المستفز، عله يكشف لها بعض أسراره مجددا". مناخ إبداعي فيما وصف الشاعر مسفر الدوسري روحانية رمضان في نفس الشعراء قائلا: "شهر رمضان الفضيل لا يختلف أثره الوجداني العظيم بين المسلمين، شعراء كانوا أو غير شعراء، إلاّ أن الشعراء كونهم يتمتعون بالشفافية الروحية والإحساس المرهف تتماهى قلوبهم مع روحانية هذا الشهر الفضيل، وتسمو عقولهم بالتأمل وهم أحوج ما يكونون لهذا، بعد أن طغت الحياة المادية المعاصرة على المعاني الروحية وداست بعجلاتها المجنزرة على جوهر الإنسانية الغني بالمبادئ العليا التي تغذي النفس وتثري الخيال، والشعراء تحديداً أكثر ما يحتاج له إبداعهم هو مناخ من السمو ليثمر ويورق، وشهر رمضان الكريم يوفر للشعراء مثل هذا المناخ الذين هم في أمسّ الحاجة إليه حتى لا تتلف أرواحهم وتصاب بالعطب". رصد حدث وشارك الشاعر الدكتور أحمد اللهيب بقوله: "يأتي رمضان فيأتي الشعر معه محملا بروحانية وإيمان وسكينة تلفّ النفس وتبعث فيها الطمأنينة، والشعر في رمضان ترحيب وانبساط منذ بداياته الأولى في العصر الإسلامي حيث رحب الشعراء به وفرحوا بلقائه، فلم يترك الأدب العربي شيئًا إلا تناوله، وكان لشهر رمضان حظ من الشعر ما بين ترحيب بمقدمه وتوديع له، ورصد لأحداثه ومظاهر الاحتفاء به واستقبال للعيد، فتذكر كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جمع المصلين لأول مرة في صلاة التراويح خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته الراشدة، فقال أحد الشعراء: جاء الصيام فجاء الخير أجمع فالنفس تدأب في قول وفي عمل روحانية الشهر ويرى الشاعر علي الشاعر أن لرمضان حضوره القوي في نفس الشعراء قائلا: "روحانية شهر رمضان الكريم لا تبحر مع نسائمه إلا بآيات الذكر الحكيم، وهو أسمى وأعلى مستوى من جزائل الشعر كافة، ولكن قد يكون للشعر بعض الحضور من أبيات الوصف والمناجاة التي وفق بعض الشعراء في كتابتها، وعني شخصيا، وكتبت بعض الأبيات تهنئة بحلول شهر الرحمة ومنها: أشهد انّي صبرت ونلت يالشهر الفضيل فيك بعد العبادة شوق يومي فيك أهنّيها أقصدك يا سمو النور يالشمس الأصيل مفخرة وبخترة جزل القصايد في معانيها ويشهد الله علي من حشمتك مالي مقيل لين اكتب قصيدة تطرب اسماعك واغنّيها.