وهكذا انتهت مسرحية جنيف الهزلية والتي كانت مكونة من فصل واحد عنوانه محاربة طواحين الهواء. وللأسف كانت مسرحية مملة ومكررة وغير حرفية جعلت كل من تابعها يشعر بالنعاس. فالممثل الحوثي اتى الى خشبة المسرح مرتبكا وكان يعيش دوره بصعوبة، أتى غير متفق على رئاسة الوفد، اتى مثقلا بعظام موتى نخرة وجماجم يابسة في طائرة الاممالمتحدة غير آبه بمسألة تقليص عدد اعضائه إلى سبعة أعضاء وثلاثة مستشارين كما اشترطت الاممالمتحدة حتى يتكافأ الطرفان المشاركان في المشاورات. اتى هذا الممثل الفاشل بدون اي مشروع سياسي لحل الازمة او برنامج عمل لكيفية تنفيذ القرار الاممي 2216 عدا رفضهم للشرعية اليمنية ورفض الاعتراف بالأممالمتحدة مما جعل العالم في حيرة حول مطالبهم التي لا يعرفون ما هي في الأساس. والطامة الكبرى ان الممثل الحوثي فضل البقاء داخل اروقة الفندق في جنيف وعدم الخروج للمشاورات. وبعدها نزلت الستارة وانتهت المسرحية الحوثية. فرحت جدا ان المسرحية لم تكن بتذاكر الا لكنت اول من يخرج منها ويسترجع نقوده عند شباك التذاكر. قلت في مقال سابق «الطريق الى جنيف» إني أشك في أن يصل هذا المؤتمر إلى تسوية سياسية حقيقية لان الحوثي يأتي ومعه اجندة ايرانية يريد فرضها على المؤتمر ويقرر امرا واقعا وهذا مرفوض. برأيي ان هناك أربعة امور رئيسية كفيلة بتحديد مسار نجاح المؤتمرات القادمة في اليمن: الامر الاول: وقف إطلاق النار، وهي قضية هامة وجوهرية. فقد افاد مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن (أوتشا) (التي تربو عن 100 منظمة دولية ومحلية)، في تقريره الاول بأن اليمنيين المحتاجين للمساعدات الإنسانية ارتفع عددهم خلال الشهرين الماضيين من 16 مليون شخص إلى 20 مليون شخص. كما اكد المكتب ايضا أن استجابة منظمات المجتمع الإنساني للاحتياجات الإنسانية في اليمن ضعيفة بسبب غيابها عن الميدان نظراً للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد. وبالتالي لا بد للمجتمع الدولي من التحرك بسرعة وممارسة الضغط على الحوثي ومليشيات صالح لوقف اطلاق النار ليسهل تسيير شحنات المساعدات عبر الجو والبحر. فإنجاح أي مؤتمر مستقبلي لا بد أن يسبقه وقف إطلاق النار. الامر الثاني: تنفيذ القرار الاممي 2216 الداعي إلى انسحاب ميليشيات الحوثي من المدن اليمنية، وتسليمها السلاح للحكومة الشرعية إلى جانب التشاور حول مرجعية القرار المتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار اليمني ووثيقة إعلان الرياض. فلا بد لدول التحالف وخصوصا مجلس التعاون الخليجي من ممارسة الضغط على الأممالمتحدة من أجل الوصول الى «آلية ملزمة» لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص باليمن. وما تناقلته وسائل الاعلام ان صحت من ارسال دول الخليج رسالة تنوي فيها تجميد أنشطتها في الأممالمتحدة, في حال لم يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، الا محاولة للضغط في هذا الاتجاه. فعلى الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه لدى اليمن مسؤولية إلزام مليشيات الحوثي بسحب مسلحيها من المدن، بالإضافة لفرض عقوبات على صالح. فإن عدم تنفيذ القرار يؤسس لبادرة خطيرة لدى الشرعية الدولية وستفتح الباب على مصراعيه لمليشيات وجماعات إرهابية مسلحة أن تسلك نهج الحوثيين في السيطرة بالقوة على الارض والانقلاب على سلطات شرعية وتأسيس دول ارهابية خارجة عن القانون الدولي. الامر الثالث: الضغط على روسيا للعب دور الوسيط في حل الازمة اليمنية، فلروسيا دور مهم جدًا في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 بشأن اليمن وخاصة في ظل تذبذب الموقف الامريكي الذي لا يريد التورط في الأزمة اليمنية او اي أزمة في الشرق الأوسط، وذلك في سبيل إعادة إنتاج دوره الاستراتيجي في منطقة اسيا والمحيط الهادي. وقد كشف راجح بادي الناطق باسم الحكومة اليمنية أن «خطوط التواصل مع روسيا مفتوحة لممارسة نوع من الضغوط الحقيقية من أجل أن يلتزم الحوثيون بقرار مجلس الأمن 2216». واضاف بادي أن المسؤولين في روسيا تحدثوا معهم صراحة بأنهم مع تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 وأنهم لا يعارضون هذا القرار. وهذا برأيي خطوة ايجابية في سبيل السعي الى تنفيذ القرار، واعتقد ان زيارة الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد الى روسيا كانت تصب في هذا الاتجاه وهو رفع التنسيق بين موسكووالرياض حول القضايا الاقليمية والدولية ومنها على وجه الخصوص الملف اليمني وتنفيذ القرار الاممي. الامر الرابع: الضغط على ايران بالخروج من اليمن وعدم التدخل في شؤونه، فإيران كانت ولا تزال جزءا من الأزمة في اليمن وكثير من ازمات الشرق الاوسط. فالتدخل الايراني في اليمن لم يعد سرا، وإنما اصبح واضحا وضوح الشمس. فما لم تخرج ايران من اليمن وتضعط على ذراعها باليمن الحوثي بوقف قصف المدنيين وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، فان اي مؤتمر لتسوية الازمة سوف يفشل في ظل ترهل المجتمع الدولي من التدخل العسكري المباشر، ووقف المجازر التي تقوم بها مليشيات الحوثي وصالح. واخيرا اعتقد ان تسوية الازمة في اليمن لن تكون الا بعد كسر إرادة الحوثيين سياسيا وعسكريا نهائيا، وذلك بتطبيق القرار الاممي، فالحوثي لا يعرف الا لغة القوة والا فإن الازمة سوف تطول. * محلل سياسي