تعدد أخبار العنف والاستعداء الشخصي في الوسط الاجتماعي يكشف عن خلل في البنية النفسية للفرد، ويبدو أن ضغوط الحياة أصبحت من القوة بما لا يطيقه الكثيرون أو يحتملون معه المشكلات العابرة والصغيرة التي يمكن السيطرة عليها في الأوقات الطبيعية، ولذلك حتى المشكلات الأسرية أصبحت تخرج الى العلن بعيدا عن جدران المنازل. هناك عينات تناولتها الأخبار مؤخرا كما في حالة الذي اعتدى على أخيه في مقر عمله، أو الزوجين اللذين تبادلا الضرب في الشارع، أو الذي اعتدى على موظف استقبال في مستشفى، وغيرها من الحالات التي تقدم دليلا على حصول انهيار في مقاومة الأفراد للضغوط الحياتية، واستجابتهم السريعة للاستفزاز والحفز العدائي، وذلك مؤشر نفسي سلبي يخلق شخصيات عدائية وينشر العنف في المجتمع. ولا شك في أن هناك كثيرا من الحالات التي تئن وراء الجدران لأنه كما ذكرت فإن تلك عينات لمستوى التراجع الاجتماعي في محاصرة المشاكل وحلها بصورة عقلانية لا تتهور الى معالجات سلبية أكثر سوءا وبؤسا كما حدث في تلك الحالات التي تناولتها الأخبار، وفي كل الأحوال وبغض النظر عن مبدأ الضغوط الحياتية، فإننا أمام وضع نفسي واجتماعي يدق ناقوس الخطر لارتفاع معدلات العنف الأسري والاجتماعي في الفترة الأخيرة. حينما نتعامل مع القضايا الأسرية في إطار منهجي واجتماعي علمي فإننا في الواقع نطوّر من أدوات الفرد تلقائيا في مواجهة الشدائد والتحديات، ولا يمكن تصوّر أن الضغوط وحدها السبب في ارتفاع مستوى العداء لدى الشخص، لأن كل أحد عاقل يمكنه امتصاص تلك الضغوط والصبر عليها والتعامل معها كتحديات تستحق المواجهة وتجاوزها، فقط ضعيفو العقول والسلبيون هم الذين لا يجدون القدرة على مواجهة تحدياتهم والاستسلام لما يمثل مصدر ضغط عليهم وكأنه أمر محتم. كثير من الخبراء السلوكيين يرون أنه يمكن للإنسان ان يحوّل طاقته السلبية الى أخرى إيجابية حينما يتعامل بعقلانية مع المتغيرات من حوله، ويحصل على الإرادة التي تجعله يقفز ويتجاوز الصعاب، لأنه لا يمكن لخامل ان يكسب شيئا، ولذلك نجد قليلي الحيلة العقلية والنفسية هم الذين يستسلمون للضغوط، ويتجهون بها لتفريغ شحناتهم النفسية في الآخرين المحيطين، وكلما تعددت الحالات العدائية فإننا نكون أمام أشخاص ضعيفي الإرادة والقدرات في التعامل مع مشكلاتهم برؤية أكثر اتساعا لما يحيط بها. من المنظور الاجتماعي والديني لا اعتقد أن أسباب تلك الروح العدائية نابعة من قصور في المنظومة الاجتماعية والدينية، وإنما من داخل الفرد نفسه، حين يكون منهزما وفاشلا في مواجهة المتغيرات، فإنه يميل الى التعويض المبالغ فيه أمام من يتوهم أنهم ضعاف ويمكنه ان يهزمهم بصراخه وضربه، فيما هو في الواقع يكون في أسوأ حالات ضعفه وانهياره، إنها حالة زائفة متوهمة يتصور فيها العدائي امتلاكه لقوة يطغى بها على من حوله متجاهلا النظام والأدب وحسن المعاملة وكثيرا من القيم والأخلاقيات الفاضلة والنبيلة، ولعل خلاصة القول ما قاله رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب». * باحث اجتماعي