غدت الفرص كبيرة في ميدان استثمار الطاقات والموارد البشرية، وقد امتدّت غايات هذا الاستثمار لتشمل أبعادًا جديدة على مستوى مكونات المشهد الوطني كله. وإن التنبه لأهمية دور مؤسسات القطاع الخاص في دعم الأنشطة المجتمعية يعدّ نقلة نوعية لإحداث اللُّحمة وصياغة الرؤية المستقبلية للعلاقة بين مؤسسات القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات المجتمعية، وهذا انعكاس جوهري لعمق التحولات الإستراتيجية وتأثير التجاذبات المتسارعة في التطور الاجتماعي، ما جعله مرآة واقعية لوعي الجهات الوزارية بأهمية هذا التفاعل والتآزر في بناء منظومة النهضة الوطنية؛ حيث لم تعد الأطر التقليدية لدعم الشركات والمؤسسات للجمعيات الخيرية والأندية واللجان الأهلية ملائمة للمرحلة الراهنة، إذ كانت التبرعات والهبات العنوان الأول في إيراداتها، واتسمت بكونها مؤقتة ومحدودة وفردية، بينما تتفوق عليها الشراكة المجتمعية بكونها مستدامة ومطلقة ومؤسسية، وهو الأمر الذي يبلور لها حضورًا أساسيًا، ويوفر لها مناخات واعدة تفضي إلى تعزيز دورها الوطني في الإسهام في تنفيذ الخطط التنموية، وبناء المؤسسات الوطنية، وترسيخ الثوابت التي انبثق عنها العمل الاجتماعي بأطيافه كلها، لتتحقق أهدافه عبر معطياته المميزة. وتبدو الشراكة المجتمعية إطارًا فاعلا ومجالا حيويًا لتوطيد دعائم التنمية الشاملة وفق معايير الجودة ونظم التميز على المستويين الوطني والعالمي. والشراكة المجتمعية تكفل التنسيق الجاد والتطوير المفعم بالمنجزات المرجوة. ولتأمين تدفق أوجه الدعم وثبات نتائجه لا مناص من إيجاد آلية عمل تشغيلية تضمن ذلك، وتواكب المتغيرات المعاصرة على الأصعدة كافة. وأقترح أن يكون هذا الدعم السخي حاضنا للأعمال التطوعية والمشاريع الأهلية، ورافدًا لاستمرارية برامجها سعيًا لتحقيق أهدافها، ويتعين أن تشرف عليه الجهات ذات العلاقة في مختلف مناطق المملكة راسمة معالمه ومحددة آفاقه ومتبنية أهدافه ومعتمدة آلية تشغيله ومتابعة أدواره من خلال المساندة والتطوير والتقييم والتوجيه لفرص التحسين المستمر. وفي تقديري أن يدرج المشروع المقترح بعنوان: (الصندوق الوطني للشراكة المجتمعية)، وأرى أن أهم أهدافه: الإسهام في بناء خطط المشاريع الوطنية والمجتمعية، إشراك مؤسسات القطاع الخاص في منظومة برامج خطة التنمية الوطنية، إيجاد رافد حيوي وفعّال ينهض بالمناشط والفعاليات المجتمعية، تنظيم وتنسيق عمليات التمويل الخاصة ببرامج وأنشطة الشراكة المجتمعية، المواءمة بين الرؤى والتطلعات حيال أنماط الشراكة المجتمعية، تذليل العقبات التي تحول دون تنفيذ خطط الإدارات والمؤسسات، تفعيل المناسبات المحلية والإقليمية والعالمية على النحو الأمثل، واعتماد مواصفات الجودة الشاملة وبرامج التميز. إن أهم مقومات نجاح هذا المشروع إنشاء الإدارة العامة للشراكة المجتمعية، والتي يرجى انبثاقها عن وزارة الشؤون الاجتماعية. وتعتمد آلية (الصندوق الوطني للشراكة المجتمعية) على تنظيم وتنسيق الشراكات المجتمعية، وحصر ميزانيتها السنوية، واعتماد مصادر إيراداتها وموارد صرفها، ووضع هيكلة تنظيمية لمجلس إدارة هذا الصندوق، وتسمية رئيسه وأعضاء إدارته على مستوى المملكة، وعلى مستوى كل منطقة إدارية، وإبرام عقود شراكة مجتمعية طويلة المدى. * مشرفة اللغة العربية بمكتب التعليم بالقطيف