أستطيع أن أقول لك ربما لماذا أقرأ بكل بساطة دون أن أتردد أو أتحفظ نوعا ما في الإجابة عن سؤالك، لأنك حينما تقرأ، أنت تكتشف الآخر وبالتالي لست مسئولا عن أفكاره ولا تتحمل تبعاتها إلا بقدر تبنيك لها والدفاع عنها، أما غير هذا فأنت خارج نطاق المسؤولية، لكن في حالة الكتابة السؤال يكون أصعب وربما أكثر تعقيدا حينما تسأل لماذا تكتب، لماذا؟، أولا لأن سؤال «لماذا» سؤال عميق وليس سطحيا كما قد يتبادر للبعض وتكون الإجابة فيه، في كل مرة، هي ذاتها، كأن تقول اكتب لنشر الثقافة أو لإيصال الأفكار للآخرين، أو تجد أحدا يقول لك وكأنه يعبر عن «إنجاز عظيم!!» حينما اكتب اشعر براحة نفسية، وغيرها من الإجابات المقولبة والجاهزة، فهذه الإجابات لم تعد اليوم نقطة تشغل بال الإنسان المتقدم، الباحث عن صناعة ما هو حضاري، أي بمعنى آخر الإنسان الذي يسابق الزمن، فلم تعد الإجابة التقليدية ذات شأن بالنسبة له سواء شعرت عزيزي الكاتب بالراحة النفسية أم لم تشعر، لماذا؟، لأن الكتابة الحقيقية هي تجاوز المألوف وفتح آفاق جديدة وتحد لسؤال الحضارة، هي سؤال لا يتوقف في بحثه عن إجابة جديدة، أي فلسفة تتجاوز المعنى التقليدي لوظيفة الكتابة. فالكاتب يمر بمراحل تطور وتقدم يكون في كل مرة مطورا لأفكاره وموسعا من دائرة رؤيته في ما يكتب، لأن الكتابة بالنسبة له اكتشاف ذات وهوية تميزه عن الآخرين، لأنه في حال تكرار السؤال هو يمارس ما يشبه «القص واللصق» حينما يكتب ومن هنا قد لا يكون له من فضل الكاتب إلا اسمه، «هذا إن بقي له فضل الاسم» لأن الكتابة إضافة جديدة تقتلها حينما تكرر ذاتك. قل الآن كم منا نحن معشر الكتاب من يمارس قتل ذاته بالتكرار، بحجة وبغير حجة. نحن ما زلنا ندور حول مفردة «لماذا» نفرغها من كل معنى غير المعنى القاموسي لها، بل تجدنا نتسابق في ردها للقاموس، حتى نؤكد على أصالة طرحنا وجذوره الممتدة في عمق العمق، وكل هذا يكون بالعادة على حساب الثمرة، ثمرة الكتابة، أي النتيجة المرجوة من أي عمل كتابي. الكتابة ليست عملية تفريغ شحنة أو إيصال فكرة، وإنما هي عملية ولادة، واكتشاف جديد، يكون الهدف الأساس فيه هل أضفت من حيث انتهى غيري، أم لا تزال كما يقول المثل «محلك سر»، الواقع يقول إننا ما زلنا بارعين في السير وقوفا!، فهناك منا من يقف على أطلال الماضي، محتجا بأن المتقدمين لم يتركوا للمتأخرين شيئا! وفي مقابل ذلك هناك من يقف على المصطلح المستورد، شاهرا سيفه على كل الماضي، وإن قرأت ما يكتب وجدته شارحا لذلك المصطلح دون أن يضيف شيئا، غنه يمارس التوقف شاء ذلك أم أبى، حتى وإن تشدق بأنه يواكب كل مصطلح جديد، إنه لم يأت بذلك المصطلح ولم يمارس عليه سلطته، بل العكس المصطلح هو من مارس على صاحبنا «الكاتب» السلطة والهيمنة، وهذا يناقض سؤال الكتابة أو لماذا نكتب؟ لأن الكتابة عملية نقد مستمر للمصطلح والأفكار وولادة مستمرة، حينما تتوقف، يتوقف معها الفعل الحقيقي للكتابة. * كاتب وإعلامي