يشرك المسلسل التلفزيوني الناجح المشاهدين عادة عن طريق تقديم قصة طويلة بحبكات جانبية منفصلة، يتم حلها عادة في إطار حلقة واحدة منفردة. كثيرا ما تتعثر تلك العروض عندما يضيع مسار الحبكات الكامن في الحبكات الجانبية. وحتى الآن، استوفت الدراما اليونانية المعايير لتكون بمثابة عرض ناجح: كان الموضوع الرئيسي يدور حول سعي الدولة الحثيث للبقاء في منطقة اليورو - وبشكل حرج، أن تقوم بذلك أثناء تلبية التطلعات المشروعة لمواطنيها وتجنب أن تصبح تحت وصاية طويلة الأجل لأوروبا. تتحدث هذه الحكاية عن مشروع التكامل الإقليمي لأوروبا الغربية، الذي لعب دورا محوريا في تحويل منطقة تمزقها الصراعات إلى واحة مثيرة للإعجاب من التعايش السلمي والتعاون بين البلدان. وهذه أمور مهمة فيما يتعلق بالاستقرار والازدهار الذي أصاب الاقتصاد العالمي. ويعمل، سواء في الواقع أو في التصور، على التصدي للتهديدات الخارجية المتعددة للقيم الديموقراطية الغربية. أما أهم أبطال هذه القصة المحورية فهم القادة السياسيون الدؤوبون الذين حاولوا، مرارا وتكرارا، التغلب على التشتت والوفاء بنجاح بالمواعيد النهائية في اللحظات الأخيرة - وبالتالي تأمين موسم جديد للدراما اليونانية. هم يتوحدون، عادة في الساعة الحادية عشرة (أي في اللحظات الأخيرة وقبل لحظة النهاية)، وعلى الرغم من خيبات الأمل المتكررة والوعود التي لم تتم تلبيتها حتى الآن، يحاولون بمهارة الفوز على المشككين بهم وأحيانا المكونات المضطربة التي تثير الاحتجاجات والاعتراضات، بما في ذلك الأسواق المالية التي من السهل أن تتعرض لهزات قوية عند إشارات بسيطة. ولكن هذه المعادلة القوية، والتي كانت، حتى وقت قريب، يمكن التنبؤ بها، تتعرض الآن لمأزق خطير. على وجه التحديد، تتعرض لتهديد خمس حبكات جانبية ربما تكون على وشك خطف القصة الرئيسية: 1- مع نهاية الأسبوع الماضي، تراجعت علاقات العمل الناجحة المهمة وتحولت إلى حدة عامة شرسة، تغذي الخطاب الحزبي اللاذع بشكل متزايد. بمجرد دخوله الأسبوع في حث دائني اليونان على أن يكونوا "واقعيين"، أعلم رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس البرلمان يوم الجمعة أن الاقتراحات التي عُرِضت عليه من قبل الدائنين كانت "سخيفة". علاوة على ذلك، اقترح بأن العرض المكتوب الذي قدمه شركاؤه الأوروبيون يختلف كليا عن العرض الذي أشاروا إليه شفويا في وقت سابق. نتيجة لذلك، قال إنه يأمل "أن الاقتراح عبارة عن خدعة مفاوضات سيئة وسوف يتم سحبه". 2- في سعيها لتقوية وتعزيز موقفها التفاوضي، قررت اليونان يوم الخميس تأجيل دفع مبلغ 300 مليون يورو لصندوق النقد الدولي، واحد من الدائنين المفضلين القليلين جدا في العالم. وعززت حجتها عن طريق التذرع بشرط غامض - استخدم مرة واحدة فقط من قبل زامبيا في الثمانينيات - يسمح لأعضاء صندوق النقد الدولي أن يعملوا على "تجميع" المدفوعات وتأجيلها حتى نهاية الشهر. في هذه العملية، أشارت اليونان على نحو يوحي بالتحدي إلى أن رغبتها في البقاء كعضو فاعل متعاون بشكل تام في المجتمع الدولي هي موضع شك، جنبا إلى جنب مع الشك في قدرتها المالية. 3- كل تلك الاستفزازات اليونانية أدت إلى قيام رئيس الاتحاد الأوروبي المعروف بأدبه عادة، جان كلود يونكر، بتقديم تحذير صريح إلى تسيبراس في عطلة نهاية الأسبوع. قال جونكر: "بغية الحفاظ على الصداقة، ينبغي عليها أن تراعي بعض الحد الأدنى من القواعد". يعد رد الفعل هذا ملحوظا لأن رئيس الاتحاد الأوروبي بذل الكثير للحفاظ على علاقة العمل بين اليونان ودائنيها الأكثر تطلبا - بدءا من العدد المتزايد من دول منطقة اليوور المتشددة إلى اثنتين من المؤسسات القوية، وهما البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، اللذان تحملا قدرا لا يستهان به من الضغط السياسي، والضغط على سمعتهما، إلى جانب تحملهما مبالغ مالية كبيرة لمساعدة اليونان. 4- كانت هذه المناورة اليونانية محرجة بشكل خاص لصندوق النقد الدولي، الذي ذكر بكل ثقة أن اليونان يمكن أن تسدد مدفوعاتها المجدولة. سافرت كريستين لاجارد، العضو المنتدب لصندوق النقد، إلى برلين في مطلع هذا الأسبوع للتوصل إلى موقف موحد مع الدائنين الرسميين الآخرين في اليونان. خلال هذه العملية، ساومت وقدمت بعض التنازلات بخصوص عدد من الشروط التي يعتقد الكثيرون في منظمتها أنها عناصر حاسمة لإيجاد حل دائم للأزمة، بما في ذلك إجراء تخفيف أكبر لعبء الديون من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي وإصلاح مالي أكثر مصداقية وجهود التكيف من جانب اليونان. 5- بمشاهدة هذا الخلل، سارع المواطنون اليونانيون العاديون إلى القيام بالمزيد من أجل حماية مدخراتهم المتضائلة. تشير المؤشرات الجزئية إلى استمرار سحب الودائع المصرفية، وهروب رأس المال، وتوافق متزايد على أن ضوابط رأس المال سوف تكون مطلوبة قريبا. وإن تلك الحبكات الجانبية الخمس يمكنها تحويل القصة الرئيسية بعيدا عن النضال الرامي إلى التوفيق بين وجهات النظر المتباينة عما تحتاج اليونان فعله للبقاء في منطقة اليورو، بما في ذلك المزج الصحيح بين التقشف في الميزانية والإصلاحات الهيكلية وتخفيف عبء الديون وتوافر النقدية في حالات الطوارئ. في مواجهة هذا النقص في الثقة، ومع تردي الإخفاق في جهود التنسيق، فإن كبار اللاعبين في المفاوضات - وهم الزعماء السياسيون في منطقة اليورو - يخاطرون بشكل متزايد بأن يجدوا أنفسهم يلعبون أدوارا ثانوية. في الوقت نفسه، جمهور الحضور في هذه الدراما - وأنا أتحدث هنا عن المواطنين الذين يعانون أزمة اقتصادية ومالية خانقة وطويلة الأمد - يتخذون بصورة متزايدة أدوار البطولة ودور أصحاب القرار على الأرض. كلما ازداد حدوث ذلك، ازداد احتمال أن تأتي تطورات جديدة ومختلفة تماما للقصة وتفرض نفسها - بحيث تكون قصة تركز على خروج اليونان من منطقة اليورو، بصورة تفتقر إلى التنسيق وتتسم بالفوضى.