ما بين الجوهرة والصورة بحر عميق من الظاهر والباطن, والحقيقة والزيف, والنهر والسراب, والجمال والقبح. الجوهرة يكفيها الاسم، فمهما تعرضت لعوامل التعرية تبقى لوحة جمالية في عيون البشر، حتى لو خف وهجها ولمعانها لرياح عصفت بها، أو أمطار غيرت بعض ملامحها، أو براكين تقاذفتها هنا أو هناك. والصورة تبقى صورة في عيون البشر، مهما مكيجها البعض وحول ملامحها وتجاعيدها لألوان زاهية، وأخفى عيوبها لإظهار محاسن زائفة. ما بينهما من فوارق مسافة السماء للأرض، لكننا في الحياة قد نجد انتصارا للصورة وهزيمة للجوهرة، في مشهد (المكيجة) التي تسبح في نهر المصالح، لكنه انتصار وقتي سرعان ما يعود كل شيء لأصله وذوقه وفطرته. في جميع مجالات الحياة، قد نجد المقدم تأخر لزيف ظاهر، وقد نجد المؤخر تقدم لسراب عائم، ولكن الحالتين هي نتاج عاطفة مؤقتة، ليست نابعة من عملية عقلية، لذلك سرعان ما تذوب لأنها ردة فعل وليست فعلا. ما بين الإقدام والإحجام في المواقف المجتمعية سواء كانت رياضية أم ثقافية أم فكرية أم غيرها من المناشط العامة في حياتنا اليومية تكبر مساحة التشنج، ويكبر معها سقف الخلاف والاختلاف، فتتحول الظاهرة من الحالة الايجابية إلى السلبية بفعل سوء استخدام الأطراف المعنية لأدوات وإمكانات التحليق لسطح الرؤية أو الفكرة أو الأهداف، والتمسك بالشخصنة والأشخاص، فيموت كل شيء جميل، وتنمو الخصومات وتحصد العداوات. وعندما أعود لأصل الحكاية ما بين (الجوهرة والصورة) في مواقفنا الرياضية، فإن الأول يكون على سليقته وطبيعته بدون تصنع، وهذا إن مارس الخطأ، فمن السهل عودته لعربة الصواب، أما الثاني فهو الذي يلبس ثوبا غير ثوبه، ويتعمق بالمثاليات الزائفة ويظهر بوجه ويخفي الوجه الآخر، وقد يجد له حجر شطرنج يلعبون بأدوار مختلفة نيابة عنه، وهذا من الصعب إعادته لجادة الصواب، لأنه يعلم أنه على خطأ، ويمارس دور الذكي في تصوره أن مجتمعه غارق في الغباء. معادلة الجوهرة والصورة نجدها في مواقف عديدة، ومحطات ماثلة أمام أعيننا. فمن هو الجوهرة ومن هو الصورة؟