تحدثنا في المقال السابق عن أهمية ودور عقود البوت في العديد من دول العالم بوصفها صورة من صور الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودور الأخير في تقديم بعض الحلول لمشكلة تمويل المشروعات عن طريق تشييد وتشغيل مشاريع البنية التحتية والمرافق العامة بصورة تساهم في تخفيف الأعباء المالية والإدارية عن الموازنة العامة للدولة من خلال إبرام هذا النوع من العقود، وما زلنا نواصل الحديث حول هذا الموضوع الحيوي والمهم. ومعلوم للجميع أن العقد ينشئ التزامات محددة يتفق عليها أطرافه، وعقد البوت يرتب عدة التزامات على عاتقي طرفي العقد، وفيه تلتزم شركة المشروع بتشغيل المشروع وصيانته ونقل ملكيته إلى المالك الأصلي. ويعتبر الالتزام بتشغيل المشروع وإدارته أحد أهم عناصر عقد البوت، حيث تقوم شركة المشروع بتنفيذ هذا الالتزام وفقاً لمجموعة من الشروط والضوابط التي يتم الاتفاق عليها، وفي الغالب يتضمن الاتفاق كافة مواصفات التشغيل بضوابط تهدف إلى تمكين الجمهور من الانتفاع بهذا المرفق بصفة منتظمة. وفي المقابل تلتزم الجهة المتعاقدة بتمكين شركة المشروع من استغلال المشروع وإدارته على الوجه الأمثل لتمكينها من استرداد تكاليف المشروع من عائد التشغيل، علاوة على تحقيق هامش ربح مناسب يكون بمثابة الدافع والمحفز الرئيس لإبرام مثل هذه العقود. كما تلتزم شركة المشروع أيضا بالقيام بأعمال الصيانة اللازمة التي يتطلبها المشروع وتطويره وتحديثه على نحو دائم ومستمر لضمان صلاحية واستمرار المشروع في ممارسة نشاطه بعد انتهاء المدة المتفق عليها بين الطرفين، ولهذا تتجه غالبية عقود البوت نحو تضمين العقد عادة برامج وجداول للصيانة الدورية. وإضافة إلى التزام شركة المشروع بتشغيل المشروع وصيانته فإنها تلتزم كذلك بنقل ملكيته إلى الجهة التي تعاقدت معها بحالة جيدة وبدون مقابل. وهذا هو الأصل وبالرغم من ذلك فلا يوجد ما يمنع أن تتضمن بنود العقد النص على حصول شركة المشروع على مقابل مادي معين كتعويض رمزي. كما قد تشترط الجهة المتعاقدة في بعض الأحيان ضرورة التزام شركة المشروع بفترة ضمان معينة بعد انتهاء مدة التعاقد. وفي الوقت ذاته فقد ترى الجهة المتعاقدة القيام بتجديد العقد مع ذات المتعاقد بذات الشروط المتفق عليها أو بشروط أفضل منها، أو قد تلجأ في بعض الأحيان لمنح المشروع لشركة أو أي مستثمر آخر بشروط تتفق مع المصلحة العامة، أو أن تتجه الجهة المتعاقدة نحو إدارة وتشغيل هذا المشروع بنفسها. ويفهم من هذا أن المستثمر أو أصحاب شركة المشروع في عقود البوت (B.O.T) لا يحق لهم أن يتملكوا هذا المشروع بأي حال من الأحوال، لأنه بانتهاء المدة المتفق عليها يؤول هذا المشروع إلى المالك الأصلي. وهناك عدة عوامل وشروط لنجاح عقود البوت كي تحقق فاعليتها والهدف المنشود من تطبيقها على أرض الواقع منها، أن يتم توزيع نسبة المخاطر التي يمكن أن تنجم عن المشروع بين الأطراف المتعاقدة بطريقة عادلة ومتوازنة، وأن توفر الحكومات للقطاع الخاص المناخ الملائم أمام مشاريع البنية التحتية من خلال إزالة كافة العقبات والمعوقات التي تحول دون ذلك ومن أهمها البيروقراطية الإدارية، وضرورة توفير كافة متطلبات المشروع من المنتجات والخدمات والأدوات المحلية قدر المستطاع. وسوف نكمل الحديث في المقال القادم حول هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.