التاريخ اليوم يعيد نفسه فمن قبل قدم لنا بروز المتطرفين أمثال الخوارج والقرامطة، وهتلر وستالين وماركس وجماعة القس جونز ومن قبلهم، وايضا جماعات أمثال التكفير.. فكل هؤلاء اعتقدوا أنهم نجحوا في تمرير آرائهم في مجتمعهم. واليوم تعود جريمة الدالوة ولكن بسيناريو مختلف وتوقيت مختلف وشكل مختلف، فحين فشلت الفتنة وإشعال الطائفية بالأحساء اذ تماسك الكل، واجتمع الحب، وتوحد الوطن، وخمدت نار الفتنة بحكمة وتكاتف أهل الأحساء، حاولوا إشعالها في القديح في منطقة القطيف لتحريك ما تبقى من شرر الرماد بسيناريو مختلف وهو أن تكون بيوت الله والجوامع ومواطن العبادة في مسرح الجرم، وفي توقيت تحركه جبهات ورموز الفشل والحقد الإيراني والحوثي، وشكل مختلف وهو حضور الفكر الداعشي واستخدام القتل بشكل الحزام الناسف والذي يعبر عن تحول في مشهد العنف وتطور في طريقة الانتقام والبغي، ترجعنا إلى المشهد التاريخي الآثم لما فعله أبو لؤلوة المجوسي من قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد مكان العبادة والذي ميز الله فيه الخبيث من الطيب، والمنافق من المؤمن، والعدو من الصديق، ولعل اختيار القطيف مسرحا للجريمة هذه المرة يضعنا امام وقفات أهمها محاولة التطرف تأجيج الأزمة والنظر لما بعده من عواقب ونتائج وتسريع فتيل نار الطائفية ومحاولة الزعزعة لأمن الوطن وتوسيع دائرة الشقاق التي يتبناها البعض. والحقيقة أن آثار التطرف المؤلمة ما زالت تشوه طهارة النفوس، وتعبث في بعض الأفكار، وتشوش أجواء الثقة، وتنخر في صفوف مشاريع الوحدة الوطنية، ولقد جاء الدور الحقيقي الآن لبسط مشاريع يتبناها العلماء الحكماء، والإعلاميون والتربويون وصناع القرار والكلمة لمعالجة جذرية وباطروحات شفافة وبلغة وطنية واجتماع حول المشتركات، وأرى أن من أهمها بناء فكر معتدل جديد ينهض بالأجيال القادمة، وإنشاء مركز استراتيجي إعلامي مشترك يجمع أبناء الوطن بكل طوائفه لوضع دراسات علمية وعملية تساهم في وضع الخطط لمواجهة التطرف بكل أشكاله تشارك فيه الجامعات والهيئات والمراكز المختصة. ولعل ما صرحت به أخيرا وزارة الداخلية مشكورة من إلقاء القبض على عدد كبير من منفذي «حادثة القديح» يسفر عن وجه وثوب جديد للتطرف المنتمي للفكر الداعشي والذي حاول الاختراق من العلو والداخل، وأظن أن سيناريو النهاية لتطرفهم لم ينته ما دام يلقى من يغذيه في الداخل والخارج. والحقيقة أننا اليوم بحاجة ليرى المجتمع بكل أطيافه مواقف وتكاتفا في الأزمات ولحمة مع الوطن وقادته، لنرى الشعراء والإعلاميين والشيوخ والمفكرين والشباب صفا واحدا ليكون الوطن أولا، ثم إننا في المقابل بحاجة لإعادة النظر في المفاهيم الحقيقية لمعنى حب الوطن وتعميقها في النفس على أسس من العلم والشورى ومعرفة عواقب موته في النفس، فالحديث عن الوطن وحبه وكرامة المواطن فيه ليس حديثا مترفا كما يظن البعض، فكرامة الإنسان في الوطن الذي يعيش فيه هي التي تصنع الانتماء الفعلي والتلقائي، فالذي يجب أن يركز عليه هو الحرص بجدية وبفاعلية أكثر على تقوية الوحدة الوطنية واللحمة الداخلية التي هي مركز قوة الدائرة ودرعها الواقي لسلامة الوطن والصخرة الصلبة التي تتحطم عليها جميع المحاولات التي تضر بالمصالح الخاصة والعامة، فتحية لسمو أمير الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف الذي سارع الى زيارة جرحى أهلنا في القطيف تخفيفا لمعاناتهم وتقديم رسالة أننا كلنا أسرة واحدة ما يضر أهل القطيف يضرنا، ورب ضارة نافعة فما من شر محض وذاتي بل يخبئ الله فيه الخير يعلمه العلماء والحكماء، ففي أوقات المحن يظهر الله الخبيث من الطيب (ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا)، حفظ الله بلادنا من كيد الكائدين وعبث الحاقدين ومن تبعية المأجورين وتجار الضلال. الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل