أكد أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن الرواية تقع عند نقلها الى السينما تحت تأثيرات ايديولوجية عميقة تتبدل معها كثير من التفاصيل والشخصيات واحيانا تتغير رؤية الرواية بالكامل، وتصبح العلاقة أبعد من تغير آلية التعبير، الى تغير في البنية نظرا لمؤثرات خارجية لا تحكمها العلاقة الآنية بين النصين، بل تحكمها معضلة السياق الخارجي. فبعض الأفلام المنقولة عن نصوص روائية تضطر لأسباب فنية الى تغيير الأحداث أو المواقف أو زيادة شخصيات وحوادث، أو تغيير جوهر بعض الشخصيات والحوادث وهذا يتطلب اعادة صياغة للنص الروائي يتجاوز المعطيات الضرورية مثل الاختزال والتكثيف والتقديم والتأخير الى التغيير في مسار الاحداث او اقتراح نهاية بديلة تقدم رؤية تتفق مع الواقع أثناء انتاج الفيلم. جاء ذلك خلال محاضرة حملت عنوان "ايديولوجية الخطاب بين الرواية والسينما" أقامها بيت السرد التابع لجمعية الثقافة والفنون في الدمام، الأربعاء الماضي أدارها الشاعر أحمد الملا وحضرها جمهور من المثقفين والادباء. وأوضح النعمي في محاضرته أن نظرية العلاقة بين الرواية والسينما تتضمن تفريعات كثيرة عن كيفية تطويع الرواية ذات البعد المجرد إلى نص سينمائي قوامه الحركة وغايته تجسيد العالم الروائي عبر تقديم الشخصيات والأشياء والأمكنة والأزمنة. وفي أول مستوى من مستويات العلاقة بينهما يظهر ما يعرف ب "الدقة في الأمانة والنقل" والمقصود مراعاة الدقة في نقل تفاصيل العمل الروائي من أمكنة وشخصيات وخط السرد وتناميه والرسالة العامة للرواية. وتطرّق النعمي في ورقته للتأثيرات الأيديولوجية أو السياسية العميقة التي تتعرض لها الرواية عند نقلها إلى السينما فتتبدل الكثير من التفاصيل والشخصيات وأحيانا تتغير رؤية الرواية بالكامل. وهنا تصبح العلاقة أبعد من تغيّر في آلية التعبير إلى تغيّر في البنية نظرا لمؤثرات خارجية، وهذا يتطلب إعادة صياغة للنص الروائي تتجاوز التقديم والتأخير والتكثيف إلى التغيير في مسار الأحداث واقتراح نهاية بديلة تقدّم رؤية تتفق مع الواقع أثناء إنتاج الفيلم. وضرب النعمي مثالا على هذا النوع من التغيير الأيديولوجي برواية "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ التي أخذ عنها فيلم "القاهرة 30" فقد أعيد بناء النص الروائي في الفيلم لمقتضيات خارجية تعود لاختلاف زمن ظهور العملين. فقد تم إنتاج الفيلم عام 1966 بينما أصدر محفوظ الرواية عام 1945، وأشار النعمي إلى أنه الفيلم الأول الذي أخذ عن رواية لمحفوظ الذي لم تلتفت له السينما لسنوات طويلة إلا بعد أن حققت ثلاثيته شهرة واسعة في منتصف الخمسينات. ومنذ إخراج فيلم القاهرة 30 اندفعت السينما لالتقاط أعمال محفوظ حتى أن بعض أعماله قدمت في السينما أكثر من مرة مثل رواية اللص والكلاب وملحمة الحرافيش التي قدمت عبر سبعة أفلام كان آخرها "الجوع". ويبين النعمي أن رواية القاهرة الجديدة تدور أحداثها خلال عرض لمسيرة أربع شخصيات مختلفة الانتماءات الفكرية. وأوضح النعمي أن محفوظ تنبّه للصراع الخفي في حقبة الثلاثينيات بين الاشتراكيين والإخوان وهو صراع إيديولوجي سيتطور في الحقبة الناصرية إلى صراع سياسي ينتهي بإقصاء الإخوان من الساحة السياسية، والإعلاء من النهج الاشتراكي. من جانب آخر، ذكر النعمي أن أصحاب نظرية العلاقة بين الرواية والسينما قدّموا بديلا لتجاوز إشكالية العلاقة المضطربة بينهما من خلال علاقة "التناصّ". فقد وجدوا في التناص مدخلا مهما للنظر بعمق إلى مستوى هذه العلاقة التي قد تتجاوز مراعاة آليات التعبير بين الرواية والسينما من حيث التكثيف والاختزال والتقديم والتأخير، وتتجاوز سلبية التأثيرات الإيديولوجية بوصفها تعديا صارخا ونقلا غير أمين لروح الرواية. فمن منظور التناص يحافظ صانع الفيلم على الرؤية الأساسية للرواية مع حرية كاملة في اتخاذ الرواية مرجعا ينطلق منه إلى فضاءات تسمح باقتراح أحداث بديلة أو تقدم شخصيات أخرى. واستشهد النعمي بفيلم "الجوع" لعلي بدر خان المأخوذ عن رواية الحرافيش لمحفوظ، حيث صاغ بدر خان الفيلم على أساس الرؤية الكلية للرواية. وفي جانب من المداخلات في نهاية المحاضره تحدث الشاعر علي الدميني متسائلا إن كان هناك ما يمكن أن يسمى عدم رضا من تحويل جماليات الرواية إلى جماليات سينمائية موازية وإخلال بهذا الجانب. وأجاب النعمي بشكل معكوس متسائلا أن من غير اللافت تحويل الفيلم إلى رواية فهل يطالب الروائي حينها بالمحافظة على جماليات الفيلم؟ وتساءل الإعلامي ميرزا الخويلدي عما إذا كان يعتبر الفيلم خرقا لجمال الرواية التي تعتبر فنا مجردا وآفاقها من خلال عمل محدود بزمن قصير في حين تمتلك الرواية آفاق أكثر انفتاحا؟ وأجاب النعمي: إننا أمام قبيلتين من المتلقين، فالقارئ لن يقنعه الفيلم، والسينمائي لن تقنعه الرواية، وتظل الرواية هي رواية ولن يظرها تحولها إلى عشرة أفلام، وليس هناك قلق من تشوّه الرواية بتحويلها إلى فيلم.