كشف الناقد الدكتور حسن النعمي إشكال التغيير تحت تأثير أيديولوجي من خلال العلاقة بين رواية نجيب محفوظ "القاهرة الجديدة" وفيلم "القاهرة 30"، المأخوذ من الرواية، ذاكرا أن النص الروائي أعيد بناؤه في الفيلم لمقتضيات خارجية تعود إلى اختلاف زمن ظهور العملين، فقد أنتج الفيلم عام 1966، بينما أصدر نجيب محفوظ روايته "القاهرة الجديدة" في 1945، والإشارة لتاريخ صدور الرواية وإنتاج الفيلم تعد مدخلا لفهم أسباب التغييرات في الفيلم. وأكد النعمي خلال الأمسية التي نظمها بيت السرد التابع لفرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام أول من أمس، بعنوان "أيديولوجية الخطاب بين الرواية والسينما"، وأدارها مدير الفرع أحمد الملا، أن الرواية والسينما لونان تعبيريان يتفقان ويختلفان في آن واحد، يلتقيان عند نقطة جوهرية تتمثل في السردية التي تصبغهما، ويختلفان من ناحية تغير آلية الخطاب لا مضمونه، فهما يستخدمان السرد خطابا ذا حمولات أيديولوجية، ويختلفان في كيفية تقديمه تبعا لاختلاف آلية التعبير، مضيفا: أن الرواية تصوير بالكلمات، وتعبير بالمجرد بينما السينما عين مبصرة، وتجسيد للعالم، وتبعا لهذه الخصوصية يحدث التقاؤهما فيما يعرف بadaptation أو نقل الرواية إلى السينما، فالرواية المكتوبة تتحول إلى شريط مرئي يجسد المجرد برؤية تأتي أحيانا مغايرة لرؤية الرواية، وتابع النعمي: في نظرية العلاقة بين الرواية والسينما تفريعات كثيرة عن كيفية تطويع الرواية ذات البعد المجرد إلى نص سينمائي قوامه الحركة وغايته تجسيد العالم الروائي عبر تقديم الشخصيات والأشياء والأمكنة والأزمنة. الرواية تقع عند نقلها إلى السينما تحت تأثيرات أيديولوجية عميقة تتبدل معها كثير من التفاصيل والشخصيات، واحيانا تتغير رؤية الرواية بالكامل، وتصبح العلاقة أبعد من تغير آلية التعبير، إلى تغير في البنية نظرا لمؤثرات خارجية لا تحكمها العلاقة الآنية بين النصين بل تحكمها معضلة السياق الخارجي، فبعض الأفلام المنقولة عن نصوص روائية تضطر لأسباب خارجية أو الأحداث أو المواقف أو زيادة شخصيات وحوادث، أو تغيير جوهر بعض الشخصيات والحوادث وهذا يتطلب إعادة صياغة للنص الروائي يتجاوز المعطيات الضرورية مثل الاختزال والتكثيف والتقديم والتأخير إلى التغيير في مسار الأحداث، أو اقتراح نهاية بديلة تقدم رؤية تتفق مع الواقع أثناء إنتاج الفيلم. وتساءل النعمي عن البديل للعلاقة المضطربة بين الرواية والسينما؟ ذاكرا أن أصحاب العلاقة قدموا بديلا لتجاوز هذا الإشكال وهو التناص الذي وجدوا فيه مدخلا مهما للنظر بعمق إلى مستوى هذه العلاقة، إذ رأوا أن هذه العلاقة ربما تتجاوز مراعاة آليات التعبير بين الرواية والسينما من ناحية التكثيف والاختزال والتقديم والتأخير، وتتجاوز سلبية التأثيرات الأيديولوجية بوصفها تعديا صارخا ونقلا غير أمين لروح الرواية، فمن منظور التناص يحافظ صانع الفيلم على الرؤية الأساسية للرواية مع حرية كاملة في اتخاذ الرواية مرجعا ينطلق منه إلى فضاءات تسمح له باقتراح أحداث بديلة أو تقديم شخصيات أخرى لأغراض جمالية لا لأغراض أيديولوجية.