«إقالة مدوّية»، و«غاضبة» أيضاً، أطاحت بوزير الداخلية الأردني الجنرال حسين هزاع المجالي، وقائدين أمنيين، مدير الأمن العام (الشرطة) الفريق أول الركن د. توفيق الطوالبة، ومدير قوات الدرك (قوة الداخلية الضاربة) اللواء الركن أحمد السويلميين، وسط اتهامات واسعة ب «التفريط» و «الإفراط» في آن واحد. الإخراج البروتوكولي ل «الإقالة»، وفق النهج المتبع في مملكة كالأردن، لم يَحُل هذه المرة دون انكشاف تفاصيل ما دار في كواليس المستويين الأمني والسياسي، اللذين أعلما القصر الملكي بالتفاصيل، واستمزجاه بشأن الجنرالات الثلاثة، الذين لم يكونوا على وفاق فيما بينهم، رغم تبعية القياديين للوزير من ناحية إدارية. اختلالات أمنية عميقة الراجح من أروقة القصر الأردني أن مدير المخابرات العامة الجنرال فيصل الشوبكي، الرجل الأقوى والأكثر هدوءاً في النظام الأردني، رفع تقريراً مفصلاً للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، تضمن إشارات على اختلالات أمنية عميقة، من شأنها التأثير على المسار الأمني في المملكة. التقرير، وفق مصدر «اليوم»، أشار إلى «آلية معالجة وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها لملفات أمنية خطيرة، كأنشطة عناصر تابعة لتنظيم داعش، وتتقوقع في محافظة معان، جنوب المملكة». ويتناول تقرير المخابرات، استناداً للمصدر الذي رفض الإفصاح عن اسمه، العملية الأمنية الواسعة الأخيرة، التي نفذتها أجهزة وزارة الداخلية في معان، لملاحقة مطلوبين للأجهزة الأمنية من نشطاء مناصرين لتنظيم داعش، وتضمنت محاصرة المدينة ثلاثة أيام، واستخدام طائرة دون طيار، فضلاً عن عشرات الآليات المصفحة، ودون أن تحقق نتائج تذكر. تنامي مناصرة «داعش» العملية الأمنية أعقبت تنامي نشاط عناصر مناصرة ل «داعش»، وتحديهم للسلطات الحكومية في المحافظة عبر إثارة العديد من القلاقل، كان آخرها الاستيلاء على مركبة تابعة لجهاز المخابرات الأردني، الأسبوع المنقضي، ورفع راية تنظيم «داعش» فوقها، والتجوال بها في وسط المدينة، ومن ثم إحراقها. ولفت المصدر إلى أن «التقرير أكد على فشل كل المعالجات الأمنية في المحافظة، التي بات أهلها يخاصمون وزارة الداخلية وأذرعها، خاصة في ظل لجوء القوة الأمنية المستخدمة إلى هدم بيوت أردنيين ومضافة إحدى العشائر الكبرى خلال تنفيذ العملية». واستشهد التقرير بما اعتبره مواطنون «ساحة معركة»، و «استهداف لمحافظة معان بصفة خاصة»، الأمر الذي لا يقبل به القصر الأردني، الذي ظل على الدوام نقطة التقاء لمختلف الأردنيين وفي أحلك الظروف التي مرت بها المملكة والمنطقة. وفي أروقة الحكومة، التي يقودها د. عبدالله النسور، ثمة أسباب أخرى دُفع بها إلى القصر، تعتبر أن وزارة الداخلية ضمت في جنباتها العديد ما يعيق عملها بكفاءة، خاصة ما يتعلق بتنفيذ الحكومة لأجندتها، التي كانت تتأهب لرفع سعر الخبز على المواطنين، بعد سلسلة إجراءات اقتصادية إنقاذية لاقتصاد متهالك. المصادر الحكومية أشارت إلى ما يرقى إلى «القطيعة الشخصية» بين الجنرالات الثلاثة، و«تأثيرها على مجمل المعالجات الأمنية في البلاد، وعجزها عن امتصاص ردات فعل عنيفة متوقعة في حال اتخاذ قرار برفع سعر رغيف الخبز، الذي سيمس الطبقات البسيطة ومحدودة الدخل في المملكة». ورفعت الحكومة الأردنية، في وقت سابق سعر رغيف الخبز، ما دفع المحتجين إلى إغلاق الطرق الرئيسية في المملكة، بينما غابت الأجهزة الأمنية خارج العاصمة عمان عن المشهد الميداني تماماً، وأسفرت أعمال عنف اندلعت عن تحطيم وحرق العديد من الممتلكات العامة العائدة إلى السلطات، ما حدا بالعاهل الأردني– آنذاك- إلى التدخل وإجبار الحكومة على العودة عن القرار. وتخشى حكومة عبدالله النسور تكرار المشهد ذاته حال رفعت أسعار الخبز وظلت أجهزة الداخلية تعمل بعيداً عن التنسيق البيني، ما يعني الإخفاق في التصدي لأية أعمال من شأنها تعكير الأمر في المملكة. ورغم لغة بيان الحكومة المواربة، إلا أنه لم يخف أن السبب «التقصير في معالجة الملفات الأمنية، وسوء التنسيق بين الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية»، و «خلل في المنظومة الأمنية»، وهي صيغة تستخدم لأول مرة في تاريخ إقالة، أو قبول استقالة، مسؤولي الدرجة الأولى في الأردن. وشهد مايو الحالي حوادث أمنية متعددة، تضاف إلى السابق، من بينها مقتل شاب، من قبيلة الزعبي واسعة النفوذ، على أيدي رجال الشرطة خلال التعذيب في أقبية أحد المراكز الأمنية، وافتضاح أمر ممارسات كوادر المراكز الأمنية التابعة للداخلية الأردنية، وهو ما جعل المؤسسات الرسمية تنحني لموجة الغضب الشعبي العارمة، التي اجتاحت المملكة. ويضاف إلى ذلك حادثة الاعتداء على الملحق الثقافي الصيني ب «قنوة» (هراوة بالمفهوم الشعبي الأردني)، وعجز الحراسات التابعة للداخلية عن حمايته. زخم تاريخي الوزير المُقال، وهو ابن هزاع المجالي الشخصية الوطنية الأردنية الأبرز، مارس السلطة مدفوعاً بالزخم التاريخي الذي حظي به والده، ولم يتوان عن التلويح بسبابته في وجه الأردنيين، وظهر بمثابة ركن من الأركان الوازنة في سلطات الدولة، ما أحاله إلى طرف نقيض لزعامات أخرى في أروقة الحكم، بيد أن في الأردن ثمة آليات خاصة لإدارة الصراع بين مكونات النظام وأذرعه، الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بما يبقي النظام قادراً على أداء واجباته الأساسية، وبما يحول دون تأثير الصراع على أداء النظام ككل. الشعبيون في الأردن يبدون أكثر وضوحاً في وصف المشهد، ويقولون «داعش أطاحت بالجنرالات الثلاثة، وسجلت أول انتصاراتها، وأهالي معان سهروا ليلتهم في الشوارع، فرحين بنصرهم على الداخلية وأذرعها». وعفوية الشعبيين لا تنتقص من أهمية عباراتهم، فهم فرحوا بالخلاص من الثلاثة، دون أن يدركوا أن عباراتهم تضمنت ما قد يجلب عليهم الويل، وفعلاً وزعوا الحلوى على أهل المدينة ابتهاجاً بنصر، يبدو انه لن يكتمل، أو على الأقل هكذا يظن المراقبون. مفاجأة الوزير الجديد في غمرة احتفالات المحافظة الجنوبية، التي تشكل نحو ثلث مساحة الأردن، وأيضا في غمرة الارتياح الذي أصاب المستويين السياسي والأمني، جاء اختيار بديل للوزير المقال بآخر محسوب على التيار المحافظ والمتشدد في القيادات الأردنية. القصر الأردني فاجأ الجميع بالإقالة الغاضبة، وأسعد الخصوم وآخرين، بيد أنه ألحق مفاجأته بأخرى، حين كلّف شخصية يمينية ومحافظة ومتشددة بحقيبة الداخلية، التي سلمها للوزير السابق سلامة حمّاد، ولمن لا يعرف الرجل هو ممن شغلوا مناصب حكومية متعددة في عهدة الأحكام العرفية، وفي زمن كانت البلاد تمر فيه من عنق الزجاجة، لكنه قبلها تدرج في مراتب وزارة الداخلية من موظف بسيط، إلى أن بلغ سدتها. الوزير الجديد سلامة حمّاد، ابن قبيلة بني صخر ذائعة الصيت، لديه ملف حافل، أقله أنه زجّ بالإعلاميين الأردنيين في مراكز التوقيف، بعد أن حلّق لهم شعر رؤوسهم، وكذلك لديه سجل حافل فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، هذا فضلاً عن اتهامه بالعديد من القضايا المتعلقة بالجنسية والمواطنة الأردنية. والأدهى أن الوزير، البالغ 72 عاماً، هو صاحب قانون الصوت الواحد، الذي أجهض العملية الديمقراطية في الأردن مبكراً، وانقض على منجزات أول خطواتها، وهو برلمان 1989، فضلاً عن اتهامات وجهت له في الانتخابات البلدية التي جرت إبان تسلمه للوزارة، بينما يتسلم هذه الوزارة في وقت تتهيأ فيه السلطات التشريعية لإقرار قوانين الانتخاب وقانون اللامركزية، اللذين تنتظرهما القوى الإصلاحية في المملكة بفارغ الصبر. مدير قوات الدرك الاردني المقال اللواء الركن أحمد السويلميين اثناء احد الاحتفالات