أعزائي القراء، كم مرة من المرات يتصل بي أصدقاء يشكون ضيقاً وهمّاً، يفقدون الشعور بالرضا والسعادة، ويطلبون الوصول إلى هذا الهدف، إلى السعادة والراحة بأي ثمن! لاشك أن كل عاقل في الدنيا يبحث عن السعادة، ويتعب لأجل راحة قلبه وطمأنينة نفسه، تعددت مشاربهم لذلك؛ فبعضهم يظنها بالمال، وآخرون يتصورونها بالجاه، وهناك من يتخيلها بالمركز أو السلطان، أو الأولاد والزوجة، أو الشهرة، ولاشك أن هذه وتلك تفرح القلب وتسعده لكنها سعادة مؤقتة بوجودها.. فإذا زالت ذهبت السعادة، لأن هناك سعادة ألصق من تلك، وهي وجود نعمة الصحة والحياة، ولا شك أنها أيضا تزول؛ فسعادة الصحة تزول بالمرض، والحياة تزول بالموت. لذا أكد ابن القيم أن السعادة الدائمة المستمرة هي السعادة القلبية الدائمة معه «بالإيمان بالله»، فهي سعادة تتقلب مع الإنسان بالدنيا والقبر ويوم القيامة وهذا من معاني النعيم في قوله تعالى: «إن الأبرار لفي نعيم» أي نعيم قلبي دنيوي وبرزخي وأخروي. إنّ السعادة شعور بالسرور والرضا والبهجة والفرح القلبي، تظهر أماراتها على قسمات الوجه وحركات الجوارح وردود الفعل والكلام. ولتحقيق هذه السعادة، هناك ثلاث خطوات جميلة تتجاوب مع أركان حياة الإنسان: 1. تقوى الله بالارتباط بالله عن طريق العلم والفهم والبصيرة، وعمل الطاعات واجتناب المحرمات رغباً بالجنة ورهباً من النار. 2. التفاؤل والتصحيح، فالمرء قد يغلط أو يسهو أو يخطئ وهذا من طبيعته، فهل يقنط؟! أم أنّ المجال مفتوح وواسع للتوبة والاستغفار وعمل الحسنات فإنها تزيل أثرها من القلب والحياة؟ 3. حسن الخلق في التعامل مع الناس في اللقاءات وحال الاختلاف والغضب؛ أما أدبيات اللقاء فالابتسام والسلام وحسن الكلام، وأمّا أدبيات الغضب فالهدوء والحلم والكظم والعفو والإحسان.. ولو تأمل الإنسان أسباب الشقاء لوجدها في ثلاث؛ إما فقدانه لمعنى حياته وغياب هدفه في الوجود، وإما اليأس القاتل جراء تراكم أخطائه، وإما بسبب سوء التعامل بين الناس وغياب الرحمة والبشاشة! أما من أراد راحة النفس وسرور القلب فليمارس أركان السعادة؛ مع الله بالتقوى، ومع النفس بالتفاؤل والتصحيح، ومع الناس بحسن الخلق؛ وهذه خلاصة وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر ومعاذ لما بعثهما لليمن للدعوة ونشر الخير والسعادة: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن». أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي بجامعة القصيم