لا يوجد تحديد بالكيلوغرام للألم، ولا يوجد قياس له بالسنتيمتر، هناك مقياس شائع من الدرجة صفر التي تعني عدم وجود الألم، إلى الدرجة 5 التي تعني أن الألم محتمل، و8 التي تعني أن الألم يمنع من ممارسة النشاطات اليومية، إلى 10 التي تعني أعلى الدرجات وهي الألم الذي لا يمكن للمريض احتماله. هذا المقياس يحدده المريض نفسه، وهو يعني أننا نتكلم عن شعور الإنسان وليس عن جانب فيزيائي محدد فيه، ولك أن تتخيل أن الألم نفسه قد يعني عند شخص ما 5 وعند آخر 10. ولا يستطيع أحد أن يقول للمعني بالألم إنك مخطئ. إذا كان تحديد الألم شعورا وإحساسا عند المتألم نفسه، فهذا يعني أنه يعود إلى تجربته الذاتية وخبرته للآلام، فأعلى الدرجات هي تلك التي لا يظن المرء أن ثمة ألما يفوقها. إنه أقوى ما عانته البشرية من الآلام لذلك أطلقوا عليه الرقم 10، ولذلك يحق لي أن أقول إنه أعلى درجات الألم وإنه ألم لا يمكن لبشر احتماله. وخبرتنا لا تعتمد فقط على ألمنا الشخصي، بل على كل مشاهداتنا وثقافتنا حول مفهوم الألم ومفهوم احتماله. إن ثقافة تجعل احتمال الألم من الرجولة ومن شيم الصبر الحميدة تختلف عن ثقافة تجعل إظهاره من الحب والوفاء، كالألم الناتج عن فقد الحبيب، هناك ثقافة تدفع المرء لتغذية ألمه واعتبار هذا من الشرف، وهناك ثقافة أخرى تعتبر مجرد التصريح به ضعف وطريق نحو الجزع، لذلك لابد من كبته سريعا والإجهاز عليه. التجربة الأولى للألم تكون مختلفة في العادة، تحيط بها المفاجأة ومواجهة الجديد، شيء لم يكن معهودا من قبل، أما في المرة الثانية فيكون المرء أكثر رشدا في التعامل معه وأشد صبرا. من الممكن احتمال أي ألم عابر، حتى لو استغرق عبوره عدة شهور، فطالما اطمأن المرء أن الألم سيزول يوما فإن مقدرته على الاحتمال ستكون أكبر، ويصعب الأمر في الألم الشديد المزمن، الذي لا تلوح نهايته، بل يُطلب من المرء أن يتعايش معه، ومن الصعب جدا أن يجد المرء سبيلا للتعايش مع وجع مستمر. لكن من الممكن اعتباره جزءا من الحياة حدث دون اختيار. الألم شعور وليس معنى، ومن الألم ينتج المعنى، معنى الرضا أو السخط أو القبول أو الرفض أو رؤية جديدة للحياة، أيا تكن هذه الرؤية، إن المعاناة برغم قساوتها هي التي تمنح للحياة معنى، وهذا غريب، فالحياة قاسية حتى فيما تمنحه لنا، قائمة على الكدح والتعب، لكل شيء مقابل حتى الرشد والنضج، علما بأن المعنى ليس نتيجة نتحصل عليها بل طريق نسلكه. إنها ليست نضجا بالمعنى الدقيق، بل معنى يخصنا وحدنا لأنه يعبر عن تجربتنا. من المؤكد أننا بعد الألم لسنا كما كنا قبله، لكن لا أحد يستطيع أن يضمن لك من ستكون بعده. الألم شعور، وقد تعلمنا منذ كنا صغارا أن نسيطر على شعورنا، حتى إذا بلغنا سن الرشد صرنا أكثر تحكما وسيطرة عليه. والألم يعود ليفجر عالم الشعور ويعيد له الاعتبار، ويجعله في مواجهة متكافئة مع قوى العقل. إن من أهم التغييرات التي تحدث للمرء بعد ألمه أن العقل لم يعد متسيدا، ولا مسيطرا، فالشعور عادة له هيبته، ولم يعد بالإمكان كبته كالسابق. ليس الجسد السبب الدائم للآلام، بل الأسباب النفسية تسبب آلاما حقيقية أيضا، ليست وهما ولا خيالات، بل آلام يقدّر المريض درجتها من 1 إلى 10. قد يشعر العاشق بألم حقيقي في صدره، وخز كطعن في القلب، ليس شعورا وإنما حقيقة، وقد يسبب الانزعاج ارتفاعا في الحرارة، وقد تجهد الأعضاء بسبب إجهاد العضلات، فتصاب بالتشنجات، أو تصاب بالإمساك المزمن، أو اضطراب النوم الذي يجعلك في إرهاق دائم، أو الفقد الكامل للنوم. لذلك يصل المرء إلى نتيجة أنه لم يعد بإمكانه تجاهل شعوره. لقد ولى زمان قوة العقل، وولى كل ما تعلمناه عن سن الرشد، واستعادت المشاعر هيبتها، وإن حاولت عنادها فإنها قادرة على تعطيل الجسد، لذلك فمن الخير لك ألا تفعل. ليس كل ألم يجب تجنبه، تقدم المرأة على الحمل وهي تعي أي ألم ستختبره أثناء الولادة، والتجربة لا تمنعها من الإنجاب ثانية، إن الألم يمكن احتماله بمقابل ما سنحصل عليه. وهو يؤكد أنه شعور، لذلك نحن لا نغضب من ألم ارتضيناه، الجسد يحتمل إن كانت الروح تحتمل. حين يفقد الزوج زوجه، تحتمل الأرملة الألم، وترى أنه من الوفاء لزوجها أن تظهر الألم بتصبر ووفاء له، وألا تعود للحياة الطبيعية سريعا. هنا يصبح الألم نبلا، وهذا عندي أكثر فضيلة من محاولة البعض تجاهل الفقد، حتى إن العزاء يتحول لمجلس للسمر والضحك. لا أدري فيم يفكر المعزون وهم يحاولون تجاهل حزن أصحاب العزاء بحجة الترويح عنهم. إن إظهار الحزن بصبر ورضا هو ألم نبيل. أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فهد