وزّع حزب الله خلال اليومين الماضيين ضمن مناطق نفوذه في الضاحية الجنوبيّة والجنوب والبقاع وعدد غير محدود من المناطق في بيروت "بروشورات" صادرة عما يسميهما مؤسّسة "هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة" يدعو من خلالها جمهوره الى التبرّع بالمال لدعم عمله العسكري بالتوازي مع حملة إعلامية قد تستمر لأسابيع مقبلة, وتقول إحدى السيدات اللاتي رفضن التبرّع: إن ثمن مقر الهيئة يكفي لتجهيز ألفي مقاتل. ومنذ فترة طويلة وتحديداً منذ انزلاقه في الحرب السوريّة، لم تقم الهيئة بخطوة علنيّة على الأرض بين جمهور الحزب وبيئته والطلب منهم بشكل مُباشر الدعم المادي لصالح ما تسمّيه ب"المجهود الحربي. وفي محاولة منه للتأثير على بيئته وجعلها تتعاطف مع حملته الإعلانيّة هذه عمد الحزب إلى طبع صورة أمينه العام حسن نصر الله في أعلى المنشور مُرفقة بكلام له يقول فيه: "إنّ دفع المال للمقاومة هو حاجة شرعيّة وأخلاقيّة وإيمانيّة ووطنيّة للمتبرعين، لأنّهم من خلال هذا المال يُشاركون في الدفاع عن بلدهم، في تحرير أرضهم، والحفاظ على كرامتهم وعزّتهم". وتعاطفت فئة من الناس في الضاحيّة الجنوبيّة مع الإعلان، فقدّمت ما تيسّر من التبرّع به، لكن تحت عناوين منفصلين. واعتبرت فئة الدعوة بمثابة "تكليف شرعي" لا يجوز التنصّل منه تحت أي حُجّة فلبّت الطلب، وفئة أخرى تبرّعت إمّا تملُّقاً أو خوفاً من ألسنة أو اتهامات يُمكن أن تضعها لاحقاً خارج خيارات حزب الله وعندها قد تُحمّل ما لا طاقة لها على أن تتحمّله. ورد أحد المسؤولين عن الحملة على سؤال والدة أحد قتلى حزب الله سقط في حرب تموز عما إذا كانت الناس قادرة على التبرّع في ظل الظروف الصعبة بالقول: إذا كُنتم تُريدون بقاء المقاومة، فعليكم الدفع. ولم تكترث فئة أخرى من الناس لهذه الدعايّة حسب وصفها حملات التبرّع التي ازدادت خلال الثماني والأربعين ساعة الماضيّة لدرجة أشعرتهم وكأن ما يطلق عليه"المقاومة" في ضيقة ماليّة. ولم يتعاط أصحاب هذه الفئة مع الحملة بجديّة كما حالهم في السابق، فلهؤلاء شُبّان ورجال خسروهم في حروب الحزب في سوريا والعراق وخلال التفجيرات التي كانت طالت الضاحية والبقاع. ويزعم المنشور أن "المقاوم" المُرابط على ثغور الوطن يحتاج سنويّاً إلى ألبسة عسكريّة وبعض العتاد، أحدهما لفصل الصيف والآخر لفصل الشتاء وبإمكانك تقسيطها شهريّاً وعلى دفعات. يذكر هنا أن قيادات في الحزب أكدوا في أكثر من خطاب وكلام في معرض دفاعهم عن إيران أن الأخيرة تتكفّل بتجهيز مقاتليهم من "الحذاء إلى الطربوش". ولم تكن حجّة حزب الله في منشوره الأخير وكلماته حول ضرورة التبرّع بالمال مُقنعة كما كان الحال في زمن الصراع مع إسرائيل، فبالأمس كان المال المطلوب معروف الوجهة، لتدمير سوريا وليس تل أبيب. ولعلّ بعض من تبرّع عاد ليختلي بعدها بنفسه ويُحاسبها في الشق الشرعي المُتعلّق بجواز التبرّع لغزو دولة عربيّة ومُسلمة خصوصاً أن في آخر المنشور جملة اختصرت معاناة أهل كان لهم نصيب من القتلى على الأرض السوريّة. وتقول إحدى السيدات اللاتي رفضن التبرّع حسب "المستقبل" اللبنانية: ليس من أجل المال، بل للطريقة التي جرى اتباعها من قبل "الهيئة" التي رأتها مُعيبة بحق الحزب نفسه. علمنا عن طريق الصدفة أن مركز "هيئة دعم المقاومة" على أوتوستراد هادي نصرالله الذي يرأسه شخص يُدعى "أبو زين" هو عبارة عن شقة فخمة يمتلكها حزب الله يكفي ثمنها تجهيز ألفي مقاتل بالمواصفات التي طلبوها في المنشور وربما أكثر. يُذكر أنه وبعيد انطلاق عمله العسكري بسنوات قليلة، أنشأ حزب الله مؤسّسة اجتماعيّة تُعنى بشكل أساسي بدعم تسليحه وتجهيزه اللوجستي تحت اسم "هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة" وقد أولى هذه المؤسّسة أهميّة كُبرى ووفّر لها آلاف الكوادر البشرية. كما قام الحزب بفتح العديد من المراكز الثابتة في معظم المناطق اللبنانيّة وتحديداً تلك التي تخضع لوصايته بهدف استقبال التبرعّات الماليّة حتّى أصبحت في فترة من الفترات بمثابة الرئة التي يتنفس بها جناحه العسكري الذي أضلّ طريق القدس باتجاه دمشق كما أضلّها ذات يوم باتجاه الداخل اللبناني.