منذ «رحلة الشتاء والصيف» التي ذكرت في القرآن الكريم، واليمن معروف بكثرة تجاره، ورجال الأعمال فيه، وخصوصاً الحضارمة الذين جابوا الأرض شرقاً وغرباً في الترحال والعمل التجاري، وساهموا مساهمة كبيرة في نقل صورة رائعة للمعاملة الإسلامية مع الآخر في كل العالم، مما كان له بالغ التأثير في نشر الإسلام في بقاع كثيرة. ومع ما يتمتع به اليمن من رجالات الريادة التجارية والعمل الحر إلا أن اليمن نفسه لم يحظَ بتلك التنمية والثروة الاقتصادية التي ساهم بها اليمنيون في أماكن مختلفة من العالم! ومع نهاية «عاصفة الحزم» التي اقتلعت بؤرة الخلل في التنمية البشرية والسياسية على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وهو الرئيس المخلوع: علي عبدالله صالح ومن معه من الحوثيين، فإن سؤال التنمية يلح بشكل كبير ليكون حاضراً في اليمن الجديد، وأهم حل لمشكلة التنمية وإعادة رؤوس الأموال الضخمة لليمنيين وغيرهم من تجار العالم أن يعمل التحالف مع الحكومة اليمنية على تأسيس أرض جديدة صالحة لاستنبات العمل الاقتصادي الحر، مقروناً بهيكلة اجتماعية وتعليمية وصحية لخلق بيئة جديدة ترتهن للمستقبل، ولا تتعصب للماضي المأخوذ بسلطة القبيلة! إن المستقبل هو الخيار الوحيد لنجاح اليمن، وصناعة المستقبل هي الكفيلة بانتشال اليمن من الفقر والجوع، وقطع الطريق أمام كل من يفكر بالحصول على المال وهو قابع في بيته، وذلك من جهات مشبوهة من أجل أن يجعلوا المواطن حربة في خصر الوطن! وما حكاية الحوثيين عنا ببعيدة، فقد استمد هؤلاء القوم قوام حياتهم واقتصادهم ورواتبهم من الدعم الإيراني على مدى عقود طويلة، وكانوا يعدونهم لمشكلة المشاكل التي احترقت مع «عاصفة الحزم» ولله الحمد. إن انتقال اليمن لقوة الدولة المُهيئة لمؤسسات المجتمع المدني المدعوم بالاقتصاديات الحرة، هو الذي سيقطع الطريق أمام أكبر تجارة رائجة في اليمن وهي تجارة السلاح! وتجارة السلاح تتغذى من خلال الأحزاب والقبائل المختلفة على مدى سنين طويلة، ووجود السلاح بهذه الكمية الهائلة لدى الناس هو تهديد لفكرة الدولة الوطنية والمدنية، ولذلك فالمشروع الاقتصادي والمدني القادم في اليمن هو مشروع صعب وبالغ في الصعوبة لو لم تكن «عاصفة الحزم» قد حققت أهدافها، ومع تحقيقها لأهدافها فهذا يجعل المسؤولية كبيرة على عاتق الشعب اليمني ورجالاته وشيوخ قبائله وأطيافه الحزبية والسياسية أن يعوا جيداً أن ثقافة الغاب لابد أن تذهب بدون رجعة، وأن الدولة لابد أن تأخذ فرصتها كاملة من أجل استقرار وضمان تهيئة الأعمال والوظائف والتعليم وكل سبل الحياة الكريمة للمواطنين بلا استثناء. ولابد أن يعي كل تجار السلاح والحروب أنهم أساؤوا لبلدهم ولشعوبهم، وقتلوهم بدم بارد! وفي الوقت الذي ينعم فيه العالم بريادة الأعمال الحرة القائمة على مبادرات تكنولوجية وتعليمية وصحية وثقافية، فإن عدداً غير قليل من تجار اليمن قد أعادوا بلدهم إلى عصور ماقبل التحضر، وساهموا في صناعة الفقر والجوع والعصبية المقيتة وهي التي أوصلت اليمن إلى ماهو عليه اليوم. إن جهود «عاصفة الحزم» ونجاحها، وعودة الشرعية السياسية لليمن مع «إعادة الأمل» هي فرصة جديدة لإعادة الأمل لتجارة اليمن المشهودة على مدى التاريخ البشري القديم والحديث، لتكون مساهمة في تنمية بشرية واقتصادية وتعليمية، ينتقل بها اليمنيون من عصور الماضي وسلطة الجهل والقبيلة -التي رعاها الرئيس المخلوع لعقود طويلة-، إلى المشاركة في نهضة عربية وعالمية من خلال شركات محلية عابرة للقارات كحال الشركات الناجحة التي تأسست حول العالم، وتاريخ اليمن البشري والاقتصادي والعروبي كفيل بالدخول في هذا المضمار وتحقيق نجاحات مبهرة. * باحث في الدراسات الثقافية