نجحت أسعار النفط في استغلال التوترات في الشرق الأوسط، وتذبذب قيمة الدولار الأمريكي، وتكهنات بتراجع الإنتاج الأمريكي، والأهم من ذلك استعداد الدول المنتجة لدراسة أسباب هبوط أسعار النفط والعمل على علاجها. لترتفع أسعار النفط نتيجة ذلك، وتسجل ارتفاعات ملحوظة منذ بداية الشهر الجاري، وتسجل أعلى مستوياتها منذ بداية العام الحالي. وأعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" قبل أيام، أن إنتاج الدول الأعضاء قفز بنحو 810 آلاف برميل يومياً، إلى 30.79 مليون برميل يومياً في شهر مارس الماضي. وهبط سعر العقود الآجلة لخام برنت قليلاً نتيجة هذا الارتفاع بإنتاج أوبك. ينتج العالم يومياً حوالي 92 مليون برميل من السوائل البترولية، وكانت دول أوبك تستحوذ على حوالي 30 مليون برميل ومنذ سنوات. ولكن في السنوات القليلة الماضية بدأت الدول من خارج أوبك برفع إنتاجها، وبالتالي بالضغط على الأسعار. ولكن هبوط الأسعار منذ الربع الرابع للعام الماضي قد بدأ يؤثر على إنتاج هذه الدول، خاصة وأن كلفة إنتاجها للنفط أعلى مقارنة بدول أوبك، وبالتالي تتأثر بهبوط الأسعار سلبياً أكثر من دول أوبك. وعليه، وبحسب تقرير أوبك الشهري الأخير، والذي صدر قبل أيام، فإن معدل الإنتاج من خارج أوبك كان في الربع الأول للعام الجاري حوالي 57.8 مليون برميل، وهو أعلى إنتاج في تاريخ هذه الدول. وللمقارنة فقط، أنتجت أوبك في عام 2011م حوالي 30 مليون برميل باليوم، وأنتجت الدول من خارج أوبك حوالي 52.4 مليون برميل. والآن وبعد أربع سنوات وصل إنتاج الدول من خارج أوبك إلى حوالي 57.8 مليون برميل باليوم، ووصل إنتاج أوبك 30.8 مليون برميل باليوم فقط. وهذا يعني أن أوبك رفعت إنتاجها بأقل من مليون برميل في أربع سنوات، بينما الدول من خارج أوبك رفعت إنتاجها بأكثر من خمسة ملايين برميل باليوم، رغم ان احتياطيات أوبك من النفط تبلغ أضعاف احتياطيات هذه الدول. ولقد تحسنت أسعار النفط في الشهر الحالي بعد أن أكد مجلس الوزراء، في جلسته الأسبوعية، تأكيدات المملكة على أنها ما زالت مستعدة للإسهام في إعادة الاستقرار للسوق، وتحسين أسعار النفط بشكل معقول ومقبول، ولكن بمشاركة الدول الرئيسة المنتجة والمصدرة للنفط، وحسب أسس واضحة وشفافية عالية. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت عدة دولارات بعد هذه التأكيدات من أهم دولة نفطية بالعالم من حيث الإنتاج والاحتياطيات. وكانت أسعار برنت قد سجلت حوالي 53 دولارا قبل شهر، قبل أن تتخطى حاجز 60 دولارا. بعد التأكيدات السعودية أنها دائماً تقف دون اهتزاز أسعار النفط. الحقيقة أن موقف المملكة قوي وحكيم، ومفاده أن الأسعار انخفضت نتيجة لتخمة المعروض من النفط، والذي كان الدور الأكبر فيه لدول من خارج أوبك مثل روسيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة ودول امريكا الشمالية. ويجب أن يعي العالم أن دول أوبك قد استثمرت مبالغ طائلة في توسيع طاقتها لإنتاج النفط وتأمينه للعالم بأسهل السبل، وتأمل أن تسطيع أن ترفع إنتاجها ولو قليلاً؛ لكى تستمر بالاستثمار في رفع طاقتها الإنتاجية. وفي الجهة الأخرى من العالم، كلنا يعلم أن إنتاج النفط غير التقليدى قد ارتفع بشكل غير مسبوق في عام 2014م، وهذا أدى إلى تراجع حاجة أمريكا إلى استيراد النفط من خارج أمريكا الشمالية؛ مما ساهم فى زيادة المعروض العالمي من النفط، وهذا أدى إلى تدهور الأسعار. ويبقى الحل الوحيد لمشكلة تدني الأسعار ما دعت إليه المملكة من توحيد الصفوف بين دول أوبك وخارج أوبك. فلو تم التنسيق بين هذه الدول على قاعدة لا ضرر ولا ضرار والتزم الجميع بنهج واحد، واتفقوا على تقليص إنتاج النفط بالعدل فيما بينهم، فهذا سيؤدي حتماً إلى انتعاش أسعار النفط، وستستفيد الدول المنتجة من داخل أوبك وخارجها.