«إنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» الكثير من فلذات الأكباد يعيشون اليتم، بالرغم من وجود الآباء والأمهات على قيد الحياة، آباء وأمهات -للأسف- مع وقف التنفيذ، أقصد مع وقف التوجيه والرعاية والتربية والتهذيب. عمل ثم راحة، ثم عمل، ثم نوم.. وتمر الأيام والشهور وينقضي العمر، اليوم كالأمس والأمس كسابقه وعقرب الساعة يدور ويدور وروتين الحياة لا يتغير والآباء والأمهات في فلكهم يسبحون. حتى وإن كان الهدف نبيلاً الأم تعمل والأب يعمل؛ من أجل أبنائهم لتوفير حياة أفضل، لكن ليس على حساب تربية الأبناء. مدبر الأمور -سبحانه- تكفل بالأرزاق، قال تعالى: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى»، وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع» عليك أفضل الصلاة والسلام يا رسول الله. كل السبل مهيأة للتربية السليمة فلماذا نشذُّ عن القاعدة. تنمية الذكاء الوجداني لدى الأطفال وإشباع حاجاتهم الطبيعية من الأمن والاستقرار وغرس الاطمئنان النفسي والاجتماعي في نفوسهم لا يتحقق عن بعد. فقد أثبتت الدراسات النفسية أن الشخص الذي يعيش حرماناً عاطفياً في طفولته يصعب عليه محبة الآخرين أو تقبل محبتهم وتظهر في الغالب الأمراض الاجتماعية في المجتمع. بعض فلذات أكبادنا من المراهقين والأحداث فقدوا الاحتواء الأسري الإيجابي والعاطفي والتربوي، فضلوا الطريق، وأول من سيدفع الثمن آباؤهم وأمهاتهم - عقاب معجل - إنك لا تجني من الشوك العنب. الأم في وادٍ والأب في وادٍ يجمعهم فقط أكل الحُصّرم وأبناؤهم يضرسون!!. زيارات وحفلات لا تنقطع وأخبار الموضات تتصدر الأولويات والوقت يضيع دون استثمار ورعايتهم للأبناء متروكة للخدم بجميع جنسياتهم وأديانهم!! لا تربية سليمة ولا رقابة خاصة مع الإعلام الجديد الإيجابي منه والسلبي، ومع الفضائيات الهدامة التي تسهم -بشكل فعال- في تغيير سلوك المجتمع وتزيد من معدلات الجريمة وتفشي الأمراض الاجتماعية. أين الأم التي تتحدث مع أبنائها عن يومهم الدراسي وتعرف نقاط ضعفهم في الدروس وتستمع لمشاكلهم، وتحس بها، وتمسح همومهم وتوجههم وتحل مشاكل فراغهم؟!! أين التوجيه الديني وتربية وتعليم المبادئ والقيم؟!! تربية عشوائية تتحول لقنابل موقوتة، لا تلبث أن تنفجر وتدمر نفسها وأسرتها وأمتها. عدم إعطاء الأبناء مساحة كافية من وقت الآباء والأمهات معناه فتح كل المنافذ لتيارات الانحراف والجريمة والأفكار الغريبة، التي تهدد أمن المجتمع ويقع أبناؤنا فريسة سهلة لهمن فلا تلوموهم بل لوموا أنفسكم، صنعتم من أولادكم شخصيات مريضة ضائعة تبحث عن نفسها في الظلام. حال التيتم الصوري مؤلم، يحرك المشاعر وتدمى له القلوب. من الظلم أن يكون الآباء أحياء وهم بمثابة الموتى ليس لهم أي أثر في حياة أبنائهم، والأدهى من ذلك أن منهم من يقضي نهاره في العمل ولياليه في السهر وإن لمتهم أجابوا كل شيء متوفر لديهم فماذا يريدون أكثر؟!! حديثي للفئة المقصرة فقط.. وشكري وتقديري للجميع.. العلاقات الإيجابية التفاعلية الانسجامية لا تتحقق إلا بالقرب منهم ومنحهم الوقت الكافي؛ ليشعروا من خلاله بحبنا لهم، فليس المهم أن نحبهم، وهو الذي لا يختلف في حبنا لهم اثنان، الأهم أن نعبر لهم عن هذا الحب بالكلمة التي تنبع من القلب؛ لتصل إلى قلوبهم دون وسيط، باللمسة الحانية والبسمة التي تبعث الاطمئنان وتنشر الأمان في أجواء تملؤها الثقة المتبادلة. فلذات الأكباد تحتاج للقرب أكثر والحوار معهم؛ للوصول إلى مشاعرهم وأسباب الفرح والغضب وتعليمهم استثمار هذه المشاعر بالشكل الأفضل حتى لا تتحول لعنف وتمرد وإرهاب. لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت انك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً وأضعتني وليداً، فأضعتك شيخاً. اللهم لا تجعلنا منهم فكما يدين المرء يدان.