«الأسرة السعودية 1445ه» كان عنوان الملتقى السابع للجمعيات المعنية بشؤون الأسرة الذي نظمته جمعية وئام الأسبوع الماضي، واستمرت فعالياته على مدى يومين، بهدف العمل على رسم صورة ذهنية للأسرة السعودية بعد عشر سنوات، واقعها وأبرز تحدياتها، وماذا تحتاج، وكيف تحافظ على هويتها ووظيفتها. وهو تحول نوعي في الاهتمامات لا يقف عند الأوضاع الراهنة فحسب بل يستشرف مستقبل الأسرة السعودية خلال العقد المقبل في خضم متغيرات متتابعة، والتخطيط Planning للمستقبل أمر حتمي تفرضه مسيرة التغير المستمر التي شملت كل الأنساق المجتمعية المختلفة، وخاصة النسق الأسري من حيث الخصائص والمكونات والوظائف والأدوار. وأعتقد أن العلاقات الأسرية من أخطر الملفات التي تتعرض لتحديات خطيرة تكاد تعصف بها، وتحيل الكيان الاسري إلى (قوقعة فارغة)، وهو تعبير ذكره وليام w.Gooke في كتابه الأشكال الرئيسية لتفكك الأسرة، وفيها يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن تكون علاقاتهم في الحد الأدنى، وكذلك اتصالاتهم ببعضهم، ويفشلون في علاقاتهم معاً وخاصة من حيث الالتزام بتبادل العواطف بينهم. ولا يقتصر وهن هذه الروابط على ما يصيب العلاقة بين الرجل والمرأة، قد يشتمل أيضاً علاقات الوالدين بأبنائهما. من المهم السعي إلى بناء علاقات أسرية مناسبة بين الأبناء ووالديهم وبين الأخوة، من خلال تزويدهم بمعلومات وتدريبات تتعلق بالتعامل المناسب مع أفراد الأسرة واكتساب مهارة الاتصال الفعال وتنمية روح الانتماء الأسري. وأهم آلية تتمثل في تقنية الاتصال في مفهومه أي الطريقة التي يتبادل بوساطتها أفراد الأسرة، المشاعر، والأفكار في محاولتهم فهم بعضهم البعض وفي محاولتهم رؤية المشكلات من وجهة نظر الشخص الآخر، ويحدث الاتصال من خلال الكلمات، كما يحدث من خلال تعبيرات الوجه، ونبرة الصوت، والإصغاء، وعلينا أن ننتبه إلى مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا يكون على حساب التواصل الأسري بل داعما لكليهما. وأساس النجاح في دعم العلاقات الأسرية يبدأ من الزوجين، حيث تمثل العلاقة الزوجية السلوك والتفاعل بين الزوجين، إذ إنها مجال ترجمة المشاعر والرحمة والسكون والمودة بينهما، وهو ما يصوِّره قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. الروم:21) لكن ضمور العلاقة الزوجية إلى مستوى انعدام الحديث والحوار بين الزوجين أو ما أُطلق عليه مصطلح "السكتة الزوجية"، يتطلب سرعة معالجة تلك الحالة وفتح قنوات الحوار بين الزوجين، ومن أرق ما نقلته لنا روايات السنة هذا الحوار اللطيف بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجه – رضي الله عنها - حين قال لها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عني غضبى، فقالت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك»، وهذا الاهتمام في فهم المشاعر من خلال الكلمات نموذج عملي في بناء العاطفة الصادقة بين الزوجين. ونموذج آخر يتبين فيه أهمية إدراك حاجة المرأة إلى الحديث مع الزوج، وأن يصغي لها، عندما استمع رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - إلى عائشة - رضي الله عنها -، تروي أخبار إحدى عشرة امرأة تعاقدن وتعاهدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، وعلق النبي صلى الله عليه وسلم بعد سماعه لها بقول: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" وأدب الكلمة أساس متين تُبنى عليه علاقات الحب والمودّة والرحمة والتربية. وعلى مستوى العلاقة مع الأولاد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم -كيف نبني هذه العلاقة على الحب والاحترام، فكان - صلى الله عليه وسلم -إذا دخلت عليه فاطمة رضي الله ابنته قام إليها ورحب بها، وقال: مرحبا بابنتي واخذها بيدها فقبّلها وأجلسها مجلسه، كانت نفس المعاملة من فاطمة رضي الله عنها تجاه أبيها فكان اذا دخل عليها قامت اليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها. هذه المحبة أيضا كانت لحفيداته كما يروي شاهد عيان من أصحابه هو أبو قتادة الأنصاري قال رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب رضي الله عنها بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -على عاتقه، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها» رواه البخاري ومسلم. بناء العلاقة على الحب والثقة هو المشروع الذي يحمي كيان الأسرة من التصدع، واللبنة الأولى في هذا البناء كلمة حب يسمعها زوجك وأولادك من لسانك ويرونها في فعالك. * أستاذ مشارك بجامعة الدمام