السلبيون والنائمون على آذانهم وجنوبهم، والحالمون أحلام يقظة فقط هم الذين يطمعون، ولا أقول يطمحون.. يطمعون في الكمال في كل شيء، وهم لا يضيفون أي شيء إلى الحياة.. بسبب تفاهتهم وسلبيتهم القاتلة. قال أحد الحكماء: إذ لم تزد أي (تضيف)، إذ لم تزد على الحياة فأنت زائد عليها بطريقةٍ طفيلية.. أي يجب عليك أن ترحل بهدوء وتخلي مكانك وطريقك لشخص آخر إيجابي المسلك والحياة. لقد كنتُ أنوي الكتابة عن هذا الموضوع الذي تطرق له أستاذنا الكريم خليل الفزيع في العدد 15255 تحت عنوان (السلبيون آفة المجتمعات)؛ لأن قلمي ليس بشهرة الكاتب الكبير الفزيع.. تركتُ الكتابة فيه لأنني حسبت أن شبابنا لا يقرؤون لأمثالي من الكُتَّاب متوسطي الثقافة والبضاعة الأدبية، إلا أن أستاذنا شجَّعني لأن أقول كلمتي وإن لم يقرأها إلا واحد، لعل الله ينفع بها ولو واحدًا. قبل أن أعَرِّجَ إلى ذات الموضوع اقتبست من أستاذنا وأخي الحبيب أبي الوليد بعض العبارات التي أستنير بها، وتكون بالفعل قبسًا يُنير لي الطريق، ويضيء مسالك هذا القبو المظلم، قال الأستاذ خليل في معرض كلامه "بتصرف": من صفات الناس السلبيين أنهم ناقمون على كل مَن حولهم لا يعجبهم شيء من ظواهر الأمور أو بواطنها، في تفكيريهم التباس حول الواقع المعاش؛ لذلك هم يرون ما لا يراه غيرهم من سلبيات هي في معظمها من تخيّلاتهم بعد أن استوطن في نفوسهم اليأس من كل شيء، واتسمت نظراتهم بالسوداوية تجاه كل ما يعترضهم؛ لأنهم لا يرون من الكأس إلا جانبها الفارغ، ولا من الأمر إلا وجهه السيئ... وهذا أمر لا ينغّص حياتهم فقط، بل ينغص أيضًا حياة كل مَن حولهم من أسرة وأصدقاء ومعارف، وقد يتخذ هذا الأمر جانبًا شديد الخطورة على الذات والغير.. أقول هذه الفئة الناقمة تتصف بإحدى صفتين لا ثالث لهما، وهما إما أنها مغرضة وتريد إثارة الفتنة التي لعن الله مَن أيقظها، أو أنها سلبية التربية أو سلبية الهدف ولا طموح لها، ولا تحب صعود الجبال، فروّضت نفسها على أن تعيش في الحفر مع اتصافها لصفة الجحود بالنعمة، فتراها بوضوح ترى الحق ولم ترزق اتباعه، وترى الباطل وتتعمّد –للأسف– عدم اجتنابه. هذه الفئة التعسة محرومة من الاستمتاع بالحياة الهانئة المطمئنة، هكذا هم في الشارع لا يلاحظون سوى السلبيات، الشكوى من السائقين والراجلين والطرق والشوارع وإشارات المرور ورجال المرور والعابرين ولافتات المحلات، وزحمة الناس، وهم بين مَن يعرفون لا يتخلون عن نكدهم حتى ينفض من حولهم الناس وهم لا يشاهدون إلا التقصير فيما يُؤدَّى لهم من خدمات، أي أنهم يطلبون الكمال في كل شيء، وإذ لم يتحقق هذا الكمال صبُّوا غضبهم على مَن يرون مع أن الكمال لله وحده، وإذا سألت أحدهم ماذا قدّم من عمل يقترب من الكمال الذي ينشده رأيته أكثر الناس سلبية حول أسرته ومجتمعه ووطنه؛ لأنه يكتفي بالنقض دون العمل وبالسلبية دون أدنى مبادرة للعمل الإيجابي. إنهم لا يعرفون سوى الرفض في الحالات فترى وجوههم باسرة.. عليها غبرة يحرقون دماءهم وأعصابهم في أفرانهم الداخلية، فحسْبهم ما هم فيه من هَمٍّ كما يقول الأستاذ: وهؤلاء أشد ضررًا على أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم من أي ضرر آخر مهما كان مصدره؛ لأنهم يشيعون اليأس فيمَن حولهم، ويزرعون الشك في عقول المحيطين بهم، لكن العقلاء من الناس لا تنطلي عليهم مثل هذه السلوكيات السلبية الناقمة على مَن حولهم «والعياذ بالله».. إنهم آفة المجتمع التي تُعيق التطور، وترسخ الانهزام، وتهدم أكثر مما تبني. إن هذه الفئة موجودة في كل مجتمع، وأخص بها مجموعة من الشباب المغرورين بعلمهم في الداخل أو الخارج، هداهم الله، وحمانا منهم ومن ترّهاتهم، وطمعهم الذي سيؤدي بهم إلى الهاوية. إن الدولة تبذل قصارى جهدها في سبيل إسعاد المواطن ورفاهيته مع ملاحظة الإفساد والمفسدين، ومحاولة علاج ذلك بالطرق القانونية والعرفية، فيجب علينا إمدادها بالعون وعدم مشاكستها.. والله المستعان.