نيران تصول وتجول في أعماقه أطفأت العقل وعطلت الحكمة وحجبت البصر والبصيرة , أصبح ذاك الإنسان الوادع والمهذب وحشا كاسرا استبدل الهدوء بالغضب والعقل بالانفلات والحكمة وبالانتقام وأصبح إنسانا آخر لا يعرف مدى نقمته وحدود عدوانيته وأصبح الكثير من أركان حياته وأعماله في مهب الريح. كثيرون هم ضحايا الغضب فهو خلف الكثير من قضايا الطلاق وفض الشراكات والنزاعات العائلية والخصومات بين الأصدقاء والجيران وزملاء العمل والقطيعة بين الأقارب. وبعد أن تهدأ العاصفة وترخي تلك الليلة القاسية سدولها ينبعث الألم والحسرة والندم ومحاولة تجبير ما تكسر وتعديل ما انحرف, لكن ربما لا نستطيع أن يعود قطار الحياة للخلف والطيور التي كانت تغرد من السعادة على أغصان حياتنا قد لا تعاود العزف من جديد. من أجمل الأمثال التي قيلت في الغضب أنه رياح عاتية تطفئ سراج العقل وهو فعلا كذلك فالإنسان المتعلم مع الغضب يكون أجهل الناس والإنسان التقي والمؤمن يكون معه أفسق الناس، وأكثرهم فجوراً في الخصومة. تبرز في هذه الأيام - التي يشتكي الناس فيها من الحياة اللاهثة والمتسارعة المليئة بالضغوط - أهمية التفريغ الرشيد للمشاعر السلبية بعيداً عن تدمير علاقاتنا بمن نحب فمن الممكن أن تحل الكثير من الإشكاليات عبر الحوار أو التحكيم أو استشارة المختصين أو وساطة المحبين أو تحفيز وتشجيع الطرف الآخر محل المشكلة على التغيير والتحول للأفضل والمراجعة أو التفاوض الذي يصل بالأطراف إلى نقطة التقاء وسط استخدام العقاب الذي لا أذية أو عنف بقصد التوجيه والإرشاد لمن هم تحت ولايتنا. لكن الغضب لن يجدي كثيرا في حل المشكلات ومعالجة التحديات، بل هو أحد أهم أسباب تعقيد الأمور وتصعيب الحلول، بالإضافة للكثير من الأمراض العضوية التي تصيب الناس هذه الأيام مثل الضغط والسكري والقلب والجلطات والقولون العصبي وغيرها من الآثار النفسية الخطيرة. علينا أن نكون عمليين أكثر في التعبير عن مشاعرنا، لكن بشكل هادئ ورزين وان نحرص على أن نبتعد عن التراكمات أو الكبت الذي يزيد الاحتقان الجالب للغضب ثم الانفجار. وأن نركز على أن الكثير من العقد والصعوبات التي أمامنا تحل بالسياسية والكياسة، بالإضافة للصبر والدعاء، وعلينا أن نراجع قناعاتنا الخاطئة، حيث نؤمن كثيرا بالصوت العالي والتهديد والوعيد والأمر أبسط من ذلك بكثير. فحياتنا بحر بحاجة إلى بحار ذكي وحاذق ومتماسك وحكيم يعبر بها بين الأمواج العاتية إلى بر الأمان فتصل سالمة غانمة دون أي خسائر أو ضحايا.