المحللون الذين يدعون أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب عملات لأنه لا يوجد هناك خاسرون لا ينفقون الكثير من الوقت في الشمال الشرقي والغرب الأوسط في الولاياتالمتحدة. التاريخ يبين بوضوح أن هناك فائزين وخاسرين عندما تتحرك العملات. الدروس المستفادة من تجربة مجلس الاحتياطي الفدرالي في أعقاب الأزمة المالية تعتبر مفيدة. لم يتدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي في عهد برنانكي مباشرة في أسواق العملات، لكنه خلق الظروف التي أدت إلى انخفاض كبير في قيمة الدولار. أنجز هذا أولا عن طريق تخفيض أسعار الفائدة بصورة فعالة إلى الصفر، واعدا بالحفاظ عليها عند هذا المستوى لفترة طويلة، ثم من خلال التوسع النشط والقوي في الميزانية العمومية عن طريق التيسير الكمي. الآليات التي من خلالها عمل برنامج شراء الأصول على مساعدة الاقتصاد لم تكن مفهومة تماما في ذلك الوقت، ولا سيما منذ زيادة عوائد الدخل الثابت عموما عندما كان قد تم تنفيذ جولات مختلفة من التيسير الكمي، ولكن ظهرت بالفعل قناة واضحة عبر دولار أضعف. وفي حين أبدى بنك الاحتياطي الفيدرالي انزعاجه من المزاعم التي تقول إنها كان يستهدف على وجه التحديد سعر الصرف، إلا أن إجراءاته دفعت الدولار المرجح تجاريا إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة عقود. في ذلك الوقت، كان نقاد التسهيل الكمي رافضين للأثر الاقتصادي الناتج عن ضعف الدولار – وهم في هذا لا يختلفون عن الأسطوانة المتكررة التي تتردد أصداؤها من أوروبا في الوقت الحاضر. النتائج تتحدث عن نفسها. العملة الضعيفة توفر جرعة مضاعفة من التحفيز الاقتصادي. الصادرات من السلع والخدمات تصبح أرخص في الأسواق الدولية، والسلع المستوردة تصبح أكثر تكلفة، وكلاهما يدعم الإنتاج المحلي. الصادرات لا تشكل سوى حوالي 12-14% من الناتج الاقتصادي الأمريكي، لذلك الوتيرة الرائعة للنمو مطلوبة لتؤثر بشكل كبير على النمو. هذا هو بالضبط ما حدث في العامين الأولين بعد الركود. توسع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.2 في المائة، كان أكثر من نصفها - 1.2 نقطة مئوية - يعزى مباشرة إلى الصادرات. وكان هذا ممكنا لأن الصادرات ارتفعت بنسبة 11%. كان محرك النمو هذا مهما للغاية. لولا الصادرات، فإن الناتج المحلي الإجمالي كان أقرب إلى 1.0% - الوتيرة التي لن تكون كافية للحد من البطالة والبدء في بذر بذور الانتعاش المستدام. ببساطة: من دون الصادرات، ربما لن يكون الاقتصاد الأمريكي قادرا على تحقيق «سرعة إفلات» حاسمة من الركود. ما يعطيه الدولار الضعيف يأخذه الدولار القوي. يبدو أن البنك الاحتياطي الفيدرالي مدرك على نحو متزايد للآثار السلبية المحتملة لقوة الدولار، بما في ذلك «الانكماش المستورد» وتراجع طلبيات المصانع. ارتفاع قيمته يخفّض أسعار الواردات، وهذا بدوره يسبب مشاكل تضخم في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، إلى حد كبير من خلال انخفاض أسعار البضائع. وقد دفع هذا بالفعل مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأساسية إلى أدنى مستوياته منذ انتعاش بعد ركود عام 2011، وسوف تتعمق حدة هذا الاتجاه ربما على المدى القريب طالما استمرت قوة الدولار. هذا يهم صناع السياسة الذين، بعد أن أشاروا إلى رغبتهم في زيادة أسعار الفائدة عندما ينتعش التضخم، ربما يكونون في وضع حرج بسبب بلوغ الأسعار الأساسية مستويات جديدة منخفضة. يمتد تأثير ذلك إلى ما هو أبعد من هدف التضخم للبنك الاحتياطي الفيدرالي أيضا، لأنه يخلق بيئة تسعير صعبة لصناعة الولاياتالمتحدة - وخاصة التصنيع - في كل من الأسواق المحلية والأجنبية. كانت هناك علامات على ذلك في بيانات الربع الرابع عن الناتج المحلي الإجمالي، والتي لم تدمج بشكل كامل تحرك العملة التراكمي. ارتفعت قيمة الدولار المرجح تجاريا حوالي 10% إضافية منذ الربع الرابع، بحيث قدمت تلك البيانات فقط فكرة يسيرة عن التطورات التي من شأنها التكثيف خلال عدة أرباع مقبلة. ارتفعت الواردات بنسبة 10.1% في الربع الرابع مقارنة بمعدل نمو زائد بسيط على مدى ثمانية أرباع بنسبة 2.4%. يعتبر هذا علامة على أن المستهلكين والشركات قد بدأوا التحول نحو السلع الأجنبية المنتجة الأرخص. الهبوط بأكثر من 11 نقطة في مكون الطلبيات الجديدة في استبيان ISM الصناعي على مدى الأشهر الستة الماضية يوفر مزيدا من التثبت في أن هذه الصناعة المحلية يجري الضغط عليها. كان نمو الصادرات إيجابيا (3.2%)، ولكن الاتجاه العام على أساس سنوى يقترب الآن لأدنى المستويات من الدورة. مكون طلبيات التصدير الجديدة على التصنيع من معهد إدارة الطلب - وهو مؤشر رئيسي مفيد للصادرات - انخفض إلى مستويات تشير إلى أن انكماشا واضحا قد يكون وشيكا. وبعبارة أخرى، فإن «محرك النمو» في التصدير، الذي هو محرك صغير ولكنه قوي، هو في خطر التحول في الاتجاه المعاكس. الرياح المعاكسة من الدولار القوي يمكن أن تؤثر بصورة لا يستهان بها على ناتج المصانع، وهذه بدورها تلقي بثقلها على الاقتصاد الأوسع. ربما يعمل هذا على إقناع الاحتياطي الفدرالي على رفع أسعار الفائدة بنسبة ضعيفة أثناء سيره نحو تطبيع أسعار الفائدة، من أجل أن يتجنب إيقاع ألم مفرط على قطاع المصانع.