بدأ الاقتصاد الإندونيسي يفقد جزءا من بريقه بعدما كان يُحسد على معدل نموه الذي كان يزيد عن نسبة 6%، وذلك بسبب تأثيرات ضعف الطلب العالمي، وأيضاً انعكاسات الإصلاحات المالية والهيكلية التي وضعتها اندونيسيا أخيراً. ولأول مرة منذ ثلاث سنوات، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا إلى دون ال6% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الحالي، حيث بلغ 5.8% على أساس سنوي. ويعزى هذا التباطؤ إلى عدة أسباب، أولاً ضعف الصادرات نتيجة لاستمرار ضعف الطلب العالمي، وانتقال المصدّرين إلى تصدير سلع ذات قيمة مضافة أعلى تهيؤاً لقانون المنع التام على صادرات المواد الخام الذي ستطبقه اندونيسيا قريباً. أما السبب الثاني، فهو ضعف سعر صرف الروبية الذي يزيد من تكاليف الواردات، والسبب الثالث والأخير هو الانخفاض البسيط في مستوى الاستهلاك بعد توقّف الدعم الحكومي على الوقود في شهر يونيو الماضي، الأمر الذي أثر على ارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك العادي. وتشير الضغوط التضخمية أنها على الارتفاع مع ازدياد معدل التضخم من 5.9% على أساس سنوي في يونيو إلى معدل صاقع بلغ 8.2% في يوليو. وقد تشجّع البنك المركزي بسبب هذا التضخم إلى رفع سعر الفائدة للمرة الثانية على التوالي هذا العام بنسبة أعلى من المتوقعة والبالغة 50 نقطة أساس، ليصبح سعر الفائدة الإندونيسي الآن 6.5%. كما جاء رفع سعر الفائدة مستهدفاً انعاش الروبية التي شهدت ضعفاً حاداً في الفترة الأخيرة. إلا أن هذا الإجراء قد يسبب تراجع الاستهلاك المحلي ومستويات الاستثمار الخاص. وقد كان الاستهلاك تقليدياً القطاع الأكبر الذي يساهم في النمو. فإذا ما واصل التراجع، قد يشكل سبباً للقلق للاقتصاد الإندونيسي الذي يهدف إلى الوصول إلى معدل نمو يفوق 6% قبل نهاية العام. ويمكنّنا الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من قياس الناتج الاقتصادي أو حجم الاقتصاد -معدّل بالنسبة للتضخم أو الانكماش. فهو مجموع القيم المعّدلة لكافة السلع والخدمات النهائية التي تنتجها دولة أو منطقة ما خلال فترة زمنية محددة. وتعتمد هذه القيم على كميات (حجم) وأسعار السلع المنتجة. الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقياس يجعل الأسعار الثابتة من خلال اعتماده على قيمة عام معين الذي يكون عام الأساس لجميع السلع والخدمات. ومن ثم، يتم استخدام هذه القيم لقياس الناتج المحلي الإجمالي للأعوام التي سبقت عام الأساس والأعوام التي تليه. كما يمكن قياس الناتج المحلي الإجمالي بعدة طرق، ومنها التي يتّبعها مكتب الإحصاء الإندونيسي، وهو الجهة الحكومية المسؤولة عن البيانات الوطنية، حيث يقيس الناتج المحلي الإجمالي بطريقة الإنفاق وإنتاج القطاعات. ويبيّن الرسم البياني المرفق الناتج المحلي الإجمالي من ناحية الإنفاق، حيث يتكون من الاستهلاك الخاص، والإنفاق الحكومي، والاستثمارات المالية الثابتة، والصادرات والواردات. وتلعب الصادرات دوراً مهماً في النمو في إندونيسيا التي تعتمد على الاقتصاد المحلي، ولكن تقليدياً كانت مساهمة الاستهلاك الخاص في الناتج المحلي الإجمالي أكبر. وتبيّن التوقعات استمرار انخفاض الصادرات الإندونيسية، التي تشكل المواد الخام جزءاً رئيسياً منها، بسبب الضرر الناتج عن استمرار ضعف الطلب العالمي والإصلاحات الهيكلية الموضوعة على التصدير. وقد فرضت الحكومة الإندونيسية ضريبة على تصدير المواد الخام مثل المعادن، ومن المخطط أن تطبق المنع التام على تصدير المواد الخام ابتداء من العام المقبل. إلا أننا نعتقد أن التدفق القوي للاستثمارات قد يساعد على تغطية انخفاض الصادرات، ولو جزئياً. وبينما يقترب موعد تطبيق هذا القانون، تستعد الشركات الكبرى بتجهيز مصانعها حتى تستغل عدم وجود المنافسين في مجال التصنيع المحلي بالوقت الحالي. ويبقى الخطر الرئيسي في هذه الحالة هو ارتفاع التضخم، الذي يتفاقم مع ضعف سعر صرف العملة، والذي قد يؤدي إلى زيادات إضافية في سعر الفائدة. وقد كانت الروبية على انخفاض مؤخراً، بسبب الخوف من أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتقليص برنامج التيسير الكمي في شهر سبتمبر القادم، وهو ما انعكس على زيادة الطلب على الدولار الأمريكي. بينما على الصعيد المحلي، قد يكون ارتفاع الحد الأدنى للأجور وقوداً للتضخم. ومن المؤكد أن ارتفاع الحد الأدنى للأجور يجب أن يدعم الاستهلاك، وخصوصاً بالنسبة للطبقة المتوسطة. وسيزيد منع تصدير المواد الخام من الاستثمارات على المدى المتوسط. ومع توقّف الدعم الحكومي على الوقود والتي كانت تعادل 16% من ميزانية الدولة العام الماضي، ستملك الحكومة فائضاً تستطيع استثماره في تطوير البنية التحتية للاقتصاد، ولهذا نتوقع ارتفاعاً في الإنفاق الحكومي هذا العام كذلك. وفيما قد نرى انخفاض معدل نمو اقتصاد إندونيسيا لأقل من 6% بنهاية هذا العام، فمن المرجح أن تكون تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية الحالية المؤلمة على توفير مصادر أكبر وأكثر استقراراً لدفع النمو في السنوات القادمة. *شركة "آسيا للاستثمار"