«الناس سوف ينسون ما قلتَه وما فعلتَه، لكنهم لن ينسوا أبدا كيف جعلتَهم يشعرون» . «مايا أنجيلو» ما هو أكبر مصدر لسعادة الإنسان؟ قد يقول أحدنا: إنه الغنى، أو الشهرة، أو الجَمال، أو السلْطة. إنه ليس أيا منها، بل هو كيف يعاملك القريبون منك. فإن عاملوك بطيبة واحترام فسوف تشعر بالسعادة حتما، وإلا فلن تشعر بالسعادة، فالناس بطبعهم كائنات اجتماعية، وَلا تستطيع أن تهمل رأي الناس فيها. فأنت قد تسعد بالاستماع إلى محاضرة مملة إذا كنت بمعيّة من يتفق معك في تقييمها، ولكنك حتما ستشعر بالضيق ولو كنت تستمع إلى أروع محاضرة، إذا كنت برفقة من يخالفك الرأي حولها أو من لا تأنس بالحديث معه. إن المزاج والتفكير السام لشخص سلبي نجده يصدر على شكل طاقة من العصبية، والشك، والغضب، والحزن، والقلق، والتشاؤم، والتذمر، واللوم، والجدل العقيم، والشخص السلبي يعشق الشكوى عوضا عن البحث عن حل، فهو يحب أن يفرغ إحباطاته على من يستمع إليه، ويبحث عن متنفس عند كل قضية مهما صغرت، وعند لقائه، فهو يمتص طاقتك في لحظات. هو شخص يلوم الآخرين دائما ولا يلوم نفسه أو يحملها المسؤولية، ويخلق جوا مشبعا بالسلبية والشعور بالذنب. ودائما ما يضع نفسه في مقابل العالم، وإذا كنت محاصرا في حياتك اليومية بعدد من هؤلاء، فإن مهمتك صعبة للغاية وقد تتحول حياتك إلى جحيم. قد تكون في أفضل حالاتك المزاجية، ولكن فجأة تشعر أن طاقتك قد استنزفت وأن معنوياتك قد هبطت للحضيض. تفتش عن مصدر الانكماش والتوتر في مزاجك، فتجد أنك قد تحدثت للتو مع شخص غير إيجابي لديه توجه سيئ، وأن مزاجه السلبي قد أثر على معنوياتك، فالسلبيون يريدون من الناس الانضمام لمجموعة تشفق عليهم، لكي يشعروا بالرضا عن أنفسهم، ونحن غالبا ما نشعر بالضغط للاستماع إليهم، لأننا مبرمجون على التعاطف مع الآخرين من حولنا لنتناغم مع عواطفهم، ولكن هناك خيط رفيع يفصل بين الإصغاء لهم والتورط في دوامة عواطفهم السلبية، فالأمر الأخطر أن نصاب بعدوى حالتهم النفسية. في بحث حديث قامت به جامعة "فريدريش شيلر" في ألمانيا، وُجد أن التعرض للمثيرات التي تخلق العواطف السلبية القوية كالذي يتعرض له الإنسان عند التعامل مع أناس سلبيين، يؤدي إلى إصابة الدماغ بإجهاد ساحق. وفيما إذا تكرر حدوث ذلك، فإنه قد يصيب الإنسان بأمراض خطيرة. فقد أظهرت دراسات كثيرة أن التوتر الناجم عن التعامل مع أناس سلبيين يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الدماغ. ويؤثر التعرض ولو لبضعة أيام من التوتر سلبا على فعالية الخلايا العصبية المسؤولة عن مهمة المنطق والذاكرة في الدماغ. والتعرض للتوتر لأسابيع أو لأشهر قد يسبب تلفا أو تدميرا كليا للخلايا العصبية. كما وُجد أن القدرة على إدارة العواطف والتزام الهدوء تحت الضغط لها صلة مباشرة بالأداء. حيث وجدت شركة "تالنت سمارت" المهتمة بأبحاث الذكاء العاطفي، بعد إجراء بحث مع أكثر من مليون شخص، أن 90% من أصحاب الأداء العالي لديهم المهارة في إدارة عواطفهم في أوقات الشدة من أجل الهدوء والسيطرة على الموقف. ويبدو أن من أعظم ما يتميز بِه هؤلاء هو قدرتهم على تحييد الناس السلبيين. كما أن قدرة الإنسان على البقاء إيجابيا في الأوقات الصعبة قد يكون لها أسباب بيولوجية بحتة مرتبطة بالدماغ. هذا ما استنتجه بحث بقيادة جامعة ولاية ميتشيغان (2014). ويكشف هذا البحث لأول مرة أن هناك أناسا إيجابيين، كما أن هناك أناسا سلبيين بطبيعتهم. وربما أنه من الصعب جدا أن يتحول الإنسان من سلبي إلى إيجابي، أو العكس. ومن أهم ما يميز الناس السلبيين هو إلقاء اللوم على الآخرين. وهي استراتيجية بائسة، ليس فقط لأن الجميع يمكن أن يكتشف ذلك، أو لأنها طريقة غير أخلاقية، أو لأنها تدمر العلاقات، أو حتى لأنها تضعف احترامهم لذواتهم في الوقت الذي يعتقدون أنهم يحافظون عليها. هناك سبب أكثر أهمية لكون اللوم تصرفا سيئا، إنه يمنع التعلم. فالشخص السلبي لا يعطي لنفسه الفرصة ليعترف بأخطائه. إن الناس الإيجابيين هم الذين يعترفون بأخطائهم ويتحملون المسؤولية عن ذلك. فهذا السلوك لا يقلل من قيمتهم، بل يجعل منهم قدوة، لأن ذلك يُشعر الآخرين بالخجل ويضعهم في حيرة، لأنهم لم يتحملوا المسؤولية مثلهم. وعندما يَرَوْن أن ذلك لم يضعف من تحمل اللوم نيابة عنهم، فإنهم يشعرون بأنهم قادرون على تحمل المخاطر. وحتى لو لم يفعلوا ذلك، فإن الإيجابيين يصبحون أكثر قدرة على تجنب الوقوع في الأخطاء التي وقعوا بها في الماضي، والتي كانت في نهاية الأمر مفتاح نجاحهم. * أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية