تؤكد أحدث الدراسات العلمية الامريكية ان الاكتئاب والاحساس بالتعاسة مرتبط بالجينات الوراثية وذلك بعد دراسة استمرت عشر سنوات كاملة وطبقت في خمس دول اوروبية، واشارت الدراسة الى انه يمكن ان ترتفع نسبة السعادة لمن لديه هذه الجينات بشرط ان يحب ويتزوج وينجب ويصبح أباً لاسرة سعيدة او اذا وفق في عمله او وجد اصدقاء مخلصين ولكن اذا كانت جينات السعادة متقدمة فيمكن الاحساس بالسعادة عن طريق العلاج النفسي واللجوء الى الدين الذي يقرب من الخالق ويشعر الانسان بالصفاء النفسي. الدكتور احمد مستجير عميد كلية الزراعة الاسبق جامعة القاهرة والعالم في بحوث الهندسة الوراثية يعرف الجين بأنه الوحدة القاعدية للتوريث والوحدة التي تحمل الصفة الوراثية في المخطط الذي تبنى عليه خصائص الكائن الحي وهو مكون من حمض نووي يسمى DNA وتنقسم المادة الوراثية عادة الى اجزاء وكل جزء يسمى كروموسوم وهي في الانسان 23 زوجاً ومن المعروف ان الانسان يحمل 11 الف جين منها خمسة آلاف من الجينات التي تحمل خصائص مرضية وكل انسان يحمل في المتوسط من 4 الى 8 امراض وراثية بعضها قاتل يقضي على الحياة في سن الطفولة وهو ما اكده المشروع الامريكي (مشروع الجينوم البشري) و الذي يهدف الى تحديد الجينات وتركيبها الجزئي ومعرفة المرض واسبابه والمشروع يتدخل لمعرفة فسيولوجيا الانسان ومعرفة اساس الجينات الوراثية والبحث يتعقب تطور الانسان. اما عن جين الاكتئاب او الجين المسئول عن مدى شعورالانسان بالسعادة فان كل انسان حباه الله بصفات خاصة وهناك صفات يصعب تحديدها وحتى لو امكن تحديدها فسنجد انها تتوقف على عدد كبير جداً من الجينات لذا يصعب معالجتها بتغيير المادة الوراثية ولكن بالفعل تم تحديد جينات الاكتئاب التي تؤدي الى شعور الفرد الدائم بالتعاسة وعدم الرغبة في الحياة وقد اجريت دراسات عديدة في هذا الصدد وانقسم الباحثون الى فريقين الاول يؤكد استحالة التعامل مع الجين والآخر يرى امكانية التعامل معه والاستفادة من معرفته في علاج الاشخاص. وقد اثبتت دراسة اخرى ان الاكتئاب الانتحاري يكون وراثياً فتظهر نفس الاعراض على افراد العائلة الواحدة وذلك من خلال تتبع التاريخ المرضي للعائلة، اما عن وجهة نظر الدكتور مستجير العلمية فيرى انه بالفعل يمكن التحكم في هذا الجين المسبب للاكتئاب. ويرى الدكتور ممدوح المهدي استاذ المخ والاعصاب بكلية الطب بجامعة عين شمس ان الجينات علم جديد ما زال في مراحل نموه وتطوره وهو معجزة من معجزات الخالق سبحانه وتعالى فان اعطانا الله القدرة على معرفة اسراره فسيحدث تقدم عظيم في علاج جميع الامراض العضوية والنفسية ويجب ان ننتظر النتائج، فما زال العديد من الدراسات التي تجرى في جميع انحاء العالم، ولا نستطيع الحكم بالنجاح او الفشل الا بعد التجربة الفعلية على الانسان، فتجارب الاستنساخ قد فشلت عند محاولة تطبيقها في مجال المخ والاعصاب او علاج الشلل الرعاش، ولكن في حالة الشعور بالاكتئاب او السعادة فهناك مواد كيمائية داخل المخ تعمل على تحديد الحالة المزاجية للانسان فمادة الادرينالين تزيد من حالة الاكتئاب وهناك مادة اخرى لم يتوصل اليها بعد تقوم بعملية غسيل لهذه المادة التي تسبب الحزن وهذه المواد الكيمائية تحدث في مجموعة من الخلايا في الفص المخي الامامي نتيجة التعرض لحدث انفعالي فتصدر اشارات من هذه الغدد والخلايا الى الاجهزة المختلفة في الجسم عن طريق الهرمونات المختلفة فتحدث تغييرات فسيولوجية بالاعضاء المختلفة في جسم الانسان. الاضطراب الوجداني ويتفق الدكتور يسري عبد المحسن استاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة مع الرأي السابق ويضيف ان الحالة المزاجية او الاحساس بالاكتئاب او السعادة يخضع لتغييرات كيميائية في مستويات الموصلات العصبية في المخ وعوامل بيولوجية اخرى مرتبطة بهرمونات الجسم، وهذه الحالة المزاجية يمكن ان تكون متقلبة وبها جوانب سائدة بمعنى ان يكون المزاج بصفة عامة اما مرتفعاً او منخفضاً وكل هذا له علاقة بالموصلات العصبية ولكن هناك اضطرابات وجدانية شديدة يصعب معها العلاج فاما ان يكون هناك فرح زائد وهو ما يعرف بالهوس او حزن شديد وهو ما يعرف بالاكتئاب وهذا مرتبط بالجينات الوراثية، ويكون بنسب متفاوتة تتراوح بين 16% الى 18% في الصفات الوراثية للاب و 7% في الصفات الوراثية للام، ولكن هناك حالات يصعب علاجها بينما توجد حالات طبيعية يمكن ان تستجيب للعلاج النفسي والعقاقير وتكون هذه الحالة المرضية مرتبطة بالوسط الاجتماعي والظروف البيئية المحيطة بالمريض بالاضافة الى شخصية المريض، وما زال موقف الجينات من الاضطرابات الوجدانية قيد البحث، واعتقد انه سيحمل معه آمالاً كبيرة للمرضى في المستقبل. اضطرابات الاكتئاب ويوضح الدكتور حسين زهدي الشافعي استاذ الامراض النفسية والعصبية بطب عين شمس ان المخ يتكون من ملايين الخلايا التي تحمل داخلها الكروموسومات وبداخلها الجينات ومن خلايا المخ المختلفة توجد مادة تسمى الموصلات العصبية، كما توجد مواد كيميائية تعمل على انتظام الحالة النفسية للانسان ونقصها يسبب الخلل النفسي وحالة من الارتباك الشديد تصل الى القلق والتوتر وتصل في اغلب الحالات الى الاكتئاب العام فلا يستطيع القيام بوظيفته وتتوتر انفعالاته وتتسم بالعصبية ويشعر بالاضطراب في النوم والاكل، وكما يحدث اضطراب في العلاقة الجنسية ايضاً، وعدم القدرة على الاداء وفقدان الرغبة واهماله لمظهره العام ونظافته الشخصية، والاضطراب في المزاج بسبب الاضطراب الجيني المرتبط بعامل الوراثة نتيجة لوجود احد الاقارب في العائلة فهو يكتسب منه الكود الوراثي، فالاضطراب النفسي الوراثي يصعب علاجه، وهذا لا يعني ان الاضطراب النفسي غير قابل للعلاج في كل الحالات بشرط ان يتواكب العلاج الكيميائي مع النفسي سواء فرديا او تأهيليا، والعمل على تغيير المتغيرات التي تساهم بشكل سلبي وكل هذه المنظومة في العلاج تحقق الشفاء ولكن يكون الاكتئاب دورياً يعود على فترات متباعدة بناء على استجابة المريض وسلوكه. اضطراب المزاج المزمن ويوضح الدكتور حسين زهدي ان هناك اضطراب المزاج المزمن ويتولد عنه احساس بعدم الرغبة في الحياة وهو موجود بالفعل عند بعض الناس وهو من يعرف بالانسان (النكدي) بطبعه الذي يبحث عن المنغصات البسيطة والمشكلات التافهة ويضخمها، فالعلاج النفسي والجلسات النفسية في هذه الحالة تكون لها فاعلية الدواء لانه يحدث فيها نوع من الصداقة بين المريض والطبيب الذي يساعد المريض في التعرف على اسباب المرض الرئيسية فقد ينتهج المريض نهجاً سيئاً في حياته، والعقل الباطن يرفض هذا النهج فيؤدي الى عدم الانسجام النفسي فيقوم الطبيب بتبصيره بهذه الامور ويجعله يقبل على الحياة ويستمتع بها هذا الى جانب دور الاصدقاء والعلاقة الاسرية الحميمة، كما ان للدين دوراً اساسياً في تحسين الحالة النفسية وتخفيف حدة الشعور بالتعاسة، وهذا عندما يستفحل شعوره بأنه لا جدوى من حياته فتكون حماقة الانتحار فيكون هنا العلاج بالدين حيث يخاف عقاب الله له بالاضافة الى شعوره بالصفاء النفسي الذي توفره علاقة الانسان بخالقه فتمنحه السعادة التي يفتقدها بسبب جيناته الوراثية.