صادفت أثناء تجولي في معرض الكتاب بالرياض وبالقرب من إحدى دور النشر صديقا يعمل في مجال الإعلام، وجدته تائها وهو يقلب الكتب الجديدة _ وما أكثرها _ لنتذكر أننا في عصر كثر فيه القلم كما قال سيد البشر والأمم، فما زال الإقبال على القراءة شحيحا وضيقا سوى طبقات النخبة فقط، وطلاب العلم والمعرفة بالجبر. ثم سألت الصديق: عن أي فن أو كتاب تبحث؟ فكان جوابه لا أدري فقط "أنظر وأتفرج"، فقلت في نفسي _ ما أكثرهم في معارض الكتب _ فكثيرون هم الذين يأتون للتسلية والنظر بلا خطة، أو لديهم مآرب أخرى، فالقلة من يأتي لشغف الحصول على كتاب بعينه، وبعدها سألته لم لا تقرأ مثلا في الكتب التي أثرت في تاريخ البشرية كلها وأحدثت ثورة هائلة في الفكر والعلوم، والتي ارتكزت عليها الحضارة الإنسانية، وقامت بالبناء عليها والتطوير، فرد عليّ بشكل سريع، وما هي؟ فقلت له هناك 10 كتب ما زالت تؤثر بشكل كبير إلى يومنا في الأفكار والتوجهات على مستوى العالم غير الكتب السماوية، ولعلي هنا أجد فرصة لأضع بين أيديكم أيها القراء إن كنت أتساءل دوما عن الذين ما زالوا يقرؤون للمقالات في الصحف ويهمهم ما نكتب؟! وهذه الكتب هي: 1_ كتاب "الأمير" للفيلسوف ميكافيلي ذاك الكتاب الأكثر صيتا وتأثيرا في الوعي الإنساني، خاصة للمهتمين بالنظام السياسي والإداري وشؤون الحكم، وعلى الرغم من سمعته السيئة _ لدى البعض _ من المثقفين لنشره ثقافة "الغاية تبرر الوسيلة" التي أسسها ميكافيلي والتي هي مرادفة للانتهازية على مر العصور، إلا أنه يبقى تراثا أحدث نقلة هائلة في نظم الإدارة والحكم وتأسيس الدولة، وكان ميكافيلي يريد نقل خبراته إلى الأمير (لورنزو دي ميديتشي) ليعلمه كيف يصل للسلطة ويحتفظ بها. 2_ كتاب "المبادئ " لإسحاق نيوتن والذي يعد من الكتب التي أنارت تاريخ البشرية على الإطلاق، والنواة الأولى للطفرة العلمية الفيزيائية والرياضية والذي اعتمد عليه المخترعون والمكتشفون في العالم، وهو كتاب وضع فيه نيوتن قوانين الحركة الثلاثة والتي استطاع من خلالها تفسير كل ما هو معروف في الكون وتحليل الظاهرة الميكانيكية الطبيعية تحليلا متناهيا في الدقة. 3 _ كتاب "المقدمة" لابن خلدون والذي ما زال إلى يومنا رمزا للعبقرية العربية والإسلامية والذي يحمل في طياته تأصيلا مباشرا لعلم الاجتماع، ومما ميز ابن خلدون كونه حوى علوما كثيرة فقد كان فلكيا واقتصاديا ومؤرخا وعالما في الرياضيات وفيلسوفا واشتهر بتأسيس علم الاجتماع. 4 _ كتاب "النسبية" لآينشتاين والذي نشر بحثه عام 1916م بعد سنوات من التفكير والبحث متوصلا بنظريته لتلك العلاقات الأساسية للكون وقام بربطها وهي أهم نظريات عقل آينشتاين. 5_ كتاب "أصل الأنواع" للفيلسوف النفسي دارون والذي أحدث فكره وكتابه هزة في عالمنا المعاصر، لاصطدامها بالموروثات الدينية، ذلك الكتاب الذي فرح به اليهود كونه يكرس مفهوم العرقية لليهود، ومنه أحدث جدلا حول علم الأحياء التطويري، فضلا على أنه من أسس العقل لدى الفكر الأوربي البحثي والفلسفي والتي امتدت إلى يومنا هذا.... ولعل هذه الكتب المشهورة ذات أهمية في وسط الطبقات المثقفة والنخب العلمية في الوطن العربي، إلا أنها غريبة وجديدة ربما على كثير من طلاب جامعتنا في الخليج والمتخصصين في العلوم الإنسانية والطبيعية، لذا لم يكن لها العناية في دور النشر لضعف الاقبال عليها ولو أن أفكارها مبثوثة في كتب الثقافة العامة المعاصرة لدى عموم المؤلفين، والواقع أن عموم المؤلفين حاليا لا يجدون سوقا لكتبهم ولا عند جمهور القراء لتمحور القراءة بالحاجة والاهتمام، فهل مقولة: "ما يكتب في مصر ويطبع في لبنان يقرأ في العراق" مقولة ما زالت سارية المفعول؟! ولتتمة باقي أهم 10 كتب انتظروا العدد القادم. * الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل