"في مكتبة هتلر الخاصة" كتاب جديد للأميركي تيموتي ريباك صدر في أميركا متزامناً مع صدوره بالفرنسية في نسخة من ترجمة جيل موريس دومولان عن "دار لو شيرش ميدي" ويروي فيه الصحافي والكاتب ريباك تجربته في استكشاف مكتبة الفوهرر الألماني هتلر التي درس فيها زهاء 16 ألف كتاب بتوقيع كبار المؤلفين المنحازين نسبياً نحو موضوعات خاصة أبرزها هؤلاء الذين كتبوا ضد السامية الى موضوعات أخرى قد تصيب المستطلع بالدهشة، على أساس مقولة: قلّ لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت"، لأن هذه المقولة لا تنطبق فعلياً على هتلر. والفكرة التي قام بها ريباك في رصد قراءات هتلر علّه يعثر من خلالها على بعض من الإجابات حول كيفية تحوّل هذا القائد الى قرارات إجرامية أصابت العالم بأسره. ويعترف ريباك بأنه لم يرصد سوى "ما تبقى من مكتبته" نظراً الى الظروف العديدة التي تعرضت لها ومع ذلك حملت جديداً وقدمت مفاجآت في إطار كل التفاصيل التي تتعلق بهتلر والتي تم الكشف عنها في القرن الماضي وصولاً الى اليوم. وما قدّمه ريباك قدرته "الواشنطن بوست" على أنه متمايز واعتبرت كتاب "في مكتبة هتلر الخاصة" أفضل كتاب تاريخي للعام 2008 وصدر التمييز هذا في الشهر الماضي مع الإحصاءات التي دلّت على مبيعات مرتفعة للكتاب عن العام الماضي مع أنه صدر في منتصفها. أما السؤال المهم في الموضوع فيبقى: ماذا تحتوي مكتبة هتلر؟ ويجيب المؤلف أن "ذاك الذي كان يأمر بإحراق الكتب، كان يملك 16 ألف كتاب، بقي منها 1200 كتاب وتُحفظ هذه المجموعة المتبقية في جامعات أميركية".وكانت هذه المكتبة على أهمية واسعة الى درجة أن "النيويوركر" قدمت عنها ريبورتاجاً مصوراً هائلاً عام 1935، ومن دون شك كانت المكتبة موزعة على أكثر من مسكن أو منزل له ومقسّمة بحسب احتياجاته للكتب. فثمة جزء كبير يضم المؤلفات التي قد يشتريها الفرد ويقرأها أو لا يقرأها، أو يقرأها ولا يعود إليها إلا نادراً ومنها مثلاً ما وجد في منزل لم يكن يتردد إليه كثيراً الفوهرر وتضم كتباً مثل "دون كيشوت" و"اسفار غوليفر" و"روبنسون كروزويه" و"كوخ العم طوم" و"هاملت" الى جانب جزء كبير من كتب المغامرات لكارل ماي. كذلك كان هناك المكتبة المتحركة التي تضم مجموعة كتب كانت تؤثر في عقل هتلر وفكره وهي الكتب التي نعود إليها مراراً وتكراراً، إضافة الى جزء ثالث من المكتبة وهو الجزء الخاص بالكتب التي ربما لم يقرأها وربما قرأها وهي المؤلفات الموقّعة من مؤلفيها والتي كانت تُرسل إليه بمجرد طباعتها ونشرها ومن ضمنها تواقيع لها قيمتها الفعلية لكتّاب ومفكرين وفلاسفة كبار، منها مثلاً توقيع لجونكر الذي أرسل كتابه "نار ودم" وكتب له: "الى الفوهرر الوطني أدولف هتلر". إنطلاقاً من هذا التقسيم للمكتبة، يبدو بالتأكيد أن الجزء الثاني هو الأهم، إذ أنه كان يتوقف قلم الفوهرر أحياناً ليدوّن ملاحظة أو ليضع سطراً تحت جمل تهمّه وقد يعود إليها. ويغوص المؤلف تيموتي ريباك في هذه الكتب لكنه قبلها وعلى نحو كبير يشرّح فكر هتلر وعقله وإحساسه ويحاول أن يرصد التأثيرات التي كوّنت فكره وعقله عبر القراءات. ويقول في هذا الصدد: "حاولت أن أرصد المؤلفات التي كانت تحتوي على مضامين فكرية أو انفعالية بَنَتْ أو ساهمت في بناء شخصيته وبالتالي أثرت على خطاباته أو أعماله العلنية".ومن أهم الكتب تلك التي كانت لمؤلفين كتبوا عن التمييز العنصري او عن معاداة السامية: الصناعي هنري فورد، هانس غانتر، بول لاغارد، أنطون دركسلر، هنريتش كلاس، أوتو دييكل او دتريش ايكارت وهذا الأخير اشتهر بأنه كان يخلط ما بين الأسطورة الألمانية وإيمانه بالسحر والتنجيم. كل هؤلاء الذين اعتبرهم نقّاد العالم في خانة المتعصّبين والمرفوضين فكرياً كانوا يتربعون بفخر في مكتبة الفوهرر.ومن كتب عن هتلر ووصفه في عشرات بل مئات من الدراسات حتى اليوم في العالم لم يغفل عن تفصيل أن الزعيم النازي كان يحب القراءة وكان يقرأ دائماً وهو يمسك بقلم لتدوين ملاحظات، لذا يحتوي العديد من هذه الكتب على ملاحظاته، من هنا كسبت هذه الكتب أهميتها وصارت اليوم في ما يشبه "متحف هتلر". ويعرّف عنه أنه كان قارئاً نهماً، لا يشبع ولا يتعب من القراءة، وكان يقرأ بمعدل كتاب كل ليلة. وثمة منحوتة فوق مكتبه تمثل بشكل نصفي رأس شوبنهاور وكتفيه، وكان يقرأ مؤلفات هذا الأخير الى جانب مؤلفات ماكيافيل وأيضاً فيشت الذي هو الأكثر قرباً من الفوهرر، ويكتب ريباك في مؤلفه: "كان فيشت الفيلسوف المفضل لدى الفوهرر بتياره الوطني بروحيته وديناميته"... كما كان يقرأ عدداً كبيراً من السيَر الذاتية ومن أبرزها: سيرة جول سيزار والاسكندر الكبير وإيمانويل كانت، كذلك قرأ بنهم مؤلفات كلوزفيتش. يكره المثقفين والمعروف أن هتلر كان يكره المثقفين وينعتهم ب"هؤلاء المتطاولين على الثقافة" وخاصة إذا كانوا يهوداً ومع هذا كان يملك بعض الكتب لهم إذ بالتأكيد أنه قرأ مؤلفاتهم ليعرف كيف يواجههم. وينهي المؤلف ريباك كتابه باستنتاجات طريفة وعميقة ويختصرها بالتالي: "... وإذا كان من ينظر هذه المكتبة ومحتوياتها لا يعرف فعلاً من هو المالك، يستنتج التالي: "صاحب هذه المكتبة عرف كيف يختار كتبه الكلاسيكية العظيمة، كذلك هو إنسان يحب الحرب، وهو بالتأكيد من الفئة المعادية للسامية، وهو يؤمن بالتنجيم وبعلم الغيب واستكشاف الطالع، وهو يتمتع بفضولية كافية لتجعله يشتري كتباً متنوعة، وهو غريب بعض الشيء..." ويُنهي بالقول: "مع كل هذا، ما من شيء في المكتبة ومحتوياتها يشير الى أن صاحبها سيشعل النار في كل أوروبا وسيجعل الدم يسيل في حرب شملت العالم وأنه سيكون السبب في مقتل الملايين من البشر". كما أنه كتب عنه: "الرجل الذي كان يحرق الكتب بالملايين كان يهوى جمعها بالآلاف"، وهنا تكمن النقطة الأساسية التي جعلت الأميركي ريباك يتحمس ليفهمها. وليست كثرة الكتب التي درسها ما يُغني الكتاب الخاص بمكتبة هتلر بل أسلوبه لفهم تعاطي هتلر مع الكتاب، لكن ثمة اكتشافات له قد يتحمس القارئ لسماعها منها مثلاً أن ريباك قد وجد بعض الكتب العلمية التي كان يراجعها هتلر "عله يحصل منها على معلومات قتالية مفيدة أو معلومات علمية تساعده على الفتك بالبشرية"... منها مثلاً كتاب علمي تقني يعود الى العام 1931 ويشرح كيفية استخدام الغاز القاتل الذي يسمى "زيكلون ب" الى ما هنالك من تفاصيل مثيرة يكتشفها القارئ بين الصفحات، منها أيضاً مثلاً أن آخر كتاب قد يكون قرأه هتلر هو كتاب "الكسندر الكبير" وذلك قبيل انتحاره في 30 نيسان 1945. كما يشير المؤلف الى تفاصيل نفسية دقيقة منها مثلاً أن هتلر كان يعاني من عقدة نقص كبيرة حيال مستواه العلمي المتدني، فهو ترك المدرسة ولمّا يبلغ بعد 15 عاماً وكانت ثقافته ضيقة لكنه عاش فيما بعد في أوهام أنه "قد يصبح شاعراً أو كاتباً أو فناناً تشكيلياً أو فيلسوفاً" وهو كما يقول صاحب الكتاب "كان يفتخر بتمثال نصفي للفيلسوف الألماني شوبنهاور يضعه فوق مكتبه مع أنه لم يكن يفهم شيئاً من فلسفة الرجل، حتى أن أخصامه كانوا يمسكون عليه نقاط ضعف كثيرة منها أنه لم يكن يُجيد لفظ إسم شوبنهاور جيداً. كما يشير ريباك في كتابه أن هتلر كان يقرأ فقط ليؤكد لنفسه صوابيات نظرياته أو أفعاله وليس لتطوير أفكاره، ويؤكد أن كل المدونات والملاحظات ليست ذات قيمة ويكتب: "من الطبيعي أن لا يكون قد تأثر بكتب لا تلتقي مع أسلوبه وفكره وعنفه، ومن الطبيعي أنه لم يتأثر بكتب جان جاك روسّو مثلاً"، وينهي هذه الفقرة بالقول: "ثمة كتاب من غاندي في مكتبته، لكن من الواضح وحسب حالة الكتاب الجيدة، فإنه لم يفتحه يوماً...".