أربعة مختلفة لو قمت بتوجيهها إلى أربعة مختلفة لجاءت النتائج متساوية!! * لو سألت أي أسرة: كم شجرة تزين حديقة منزلك الكبير؟ سيختلفون في عددها، إلا إذا كانت لا تعدو عدد أصابع اليد الواحدة. * ولو سألت كم شجرةً في مدينتك؟ سيختلف موظفو البيئة والتشجير في حصرها. * ولو بحثت في الموسوعة العلمية عن عدد أشجار غابات الأمازون في البرازيل لما وجدت جواباً دقيقاً. * ولو غصت في أعماق الشبكة العنكبوتية لتحصي عدد أشجار العالم فهل ستجد إحصائية دقيقة بذلك؟! ولكن ماذا لو سألنا أنفسنا كم عدد الأشجار في حياتنا؟ عندها ستكون الإجابة محددة ومقننة لا تقبل الاجتهاد والتفاوت، فحصرها أسهل بكثير من حصر أشجار الغابات الاستوائية والمدارية في العالم. إن في حياة كل منا «أشجار ست» تبدأ ببذرة نزرعها في باطن نفوسنا، ثم نتعهدها بالسقي والرعاية حتى تنمو وتكبر وتزهر أوراقها إلى أن يحين وقت قطافها، فهي ثمار متباينة إما أن تكون قطوفها يانعة دانية أو فجة لا يُستساغ أكلها!! هذه الأشجار الست لا تختلف من شخص لآخر فالكل فيها سواء، الغني والفقير، الحاكم والرعية، الرجل والمرأة، و و و، ولا يمكن أن يكون هناك أكثر منها في حياتنا إلا سوى بعض الشجيرات الصغيرة التي لا تعدو عن كونها هوامش قد تشغلنا عن «العمالقة الست»! لنستعرض حدائقنا معاً لنرى ما فيها:- أولى هذه الأشجار هي «الجانب الديني» في حياتنا، وتأتي بعدها الخمس الأخرى: الصحي والأسري والمهني والاقتصادي والاجتماعي، إذاً ففي حياة كل منا أشجار ينبغي علينا أن نحسن رعايتها بتوازن شديد، ومع كل شجرة نجد «المبادئ والقناعات والأولويات» التي تمتد من الجذور في أعماق التربة حتى تصل إلى الساق والأغصان ومنها إلى الزهرة والثمرة، البعض منا يحسن التعامل مع هذه الست فهو متوازن في علاقته مع ربه- عز وجل– وعرف رسالته في هذه الحياة فأدى دوره كما ينبغي، فحافظ على عبادته وخالق الناس بخلق حسن، فلما جاء وقت الحصاد وجد نفسه من الذين زرعت محبتهم في قلوب العباد وبورك له في ماله وعياله وحياته، ويلتفت بعدها إلى شجرته الثانية «الصحة» فهو يعلم «أن لبدنك عليك حقاً» فتعهد به عنايةً وغذاءً ومطعماً حلالاً ومشرباً نافعاً، فجاء حصاده طوال عمره قوةً في البدن وصحةً في العقل وكمالاً في الجسم. وتأتي الشجرة العائلية والاجتماعية مشيرةً إلى وعيه لحديث النبي المصطفى «كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته» و«خالق الناس بخلق حسن»، وعندما حان وقت الحصاد وجد الثمار بين يديه في أسرة تحبه وتحترمه، وفي نفسه كشخصية اجتماعية، فعالة، إن أقبل على الناس رحبوا به وهشوا له، وإن غاب عنهم تفقدوا غيبته، وإن نزلت به نكبات الدهر وجد حوله من يشد أزره ويمسح دمعته! وتبقى الشجرة الخامسة «المال عصب الحياة» وهو القوة الاقتصادية التي تكفل للناس معيشتهم وفيه زينة الحياة الدنيا، وتبقى آخر الأشجار شموخاً وقوةً ومنها تأتي باقي الأشجار الخمس الأخيرة «المهنة» وفيها كد الإنسان وكدحه في الحياة الدنيا، بها تعمر الأرض وتسود الحضارات وتندثر الأخرى. إن سعادة المرء في حياته تكمن في نجاحاته في تحقيق التوازن بين هذه الأشجار الست، ومن شقائه «إدمانه» على إحداها أو بعضها وإهمال الأخرى، هناك «مدمن عمل» تراه يعيش ليله ونهاره في مهنته، وهو هاجسه الأبدي لا يكاد يفقه شيئاً من أمور الحياة إلا ميدان العمل، وهناك «عبد الدرهم والدينار» وهناك من أضر بصحته فقادها إلى الهلاك وهناك.. وهناك.. إن هذا النوع من الإدمان له مخاطره ومضاره على الفرد والمجتمع، فلنحذر أن تقودنا تيارات الحياة فنجد أنفسنا في حديقة اختلف فيها نمو أشجارنا، فما باتت إحداها تظلنا يوم نحتاج إلى الظل في يوم شمسه حارقة وفيؤه لا يطفئ لهيباً! في الختام: جميل أن نعود أبناءنا على المحافظة على هذه الأشجار الست من صغرهم لا أن نتركهم يتخبطون في اجتهادات خاطئة يضيع معها العمر فلا يدركونها إلا متأخراً! * خبيرة إدارية– تربوية– مدرب معتمد