عزيزي رئيس التحرير كلنا يحب الاشجار بصورة خاصة والنباتات بصورة عامة لفوائدها الجمة, فهي على سبيل المثال وليس الحصر مصدر الغذاء الرئيسي وهي المكان الجميل الذي نتفيأ تحته, كما انها تزودنا بواحدة من اهم مواد البناء على مدى العصور, وتساعد في عملية تنقية الهواء هذا بالاضافة الى دورها الجمالي النابع من تنوع اشكالها وألوانها. لذلك يتلخص الشعور العام بالنسبة للنباتات لدى معظم الناس بحب الزراعة والرغبة الدائمة بالتمتع بها. ولكن المشاعر وحدها لا تكفي كي نعرف كيف نتعامل مع الاشجار بالشكل المناسب لها ككائن حي ولنا كمستفيدين منها. اذ لا بد من وعي حقيقي لطبيعتها وامكانياتها, ولا بد من اللجوء الى العلم والمنطق حين الرغبة في استثمارها الاستثمار الناجع. فليس كل مكان صالح للزراعة وليس كل النباتات متساوية في امكانياتها وخواصها لذلك يلاحظ ان انواع النبات تختلف من بقعة جغرافية الى اخرى ومن مناخ الى آخر. واذكر هنا تجربة بسيطة غالبا ما مر بها معظمنا تتلخص بمحاولاتنا الدائمة تزيين غرفنا بالنباتات المنزلية عندما نشتري اصيصا فيه نبتة ما يخبرنا البائع بأنها تحتاج الى كمية شمس محددة توجب وضعها بالقرب من النافذة. وما ان نصل الى البيت حتى ننسى التوصية ونقرر مكان الاصيص انطلاقا من اعتبارات اخرى تتعلق مثلا بالشكل العام للغرفة وهذا في الواقع تصرف منطقي وحق طبيعي لنا ولكن النبات ليس كقطعة اثاث يمكن رميها اينما اتفق لاحتياجاتها الحياتية من ضوء وهواء وغذاء. فتقبع النبتة المسكينة في زاويتها التي اخترناها لها محاولة النجاة بنفسها والبقاء لكن غياب الشمس ينهك قواها فتذبل وتموت فنلقي اللوم على البائع الذي غشنا في هذه النبتة. كان من الافضل لنا وللنبتة ألا نشتريها وننهي حياتها بهذه الصورة البشعة من الموت البطيء. وما يقال عن اصيص النبتة الصغيرة يقال عن زراعة النباتات كلها في شوارعنا وحدائقنا. فهناك حالات يفضل عدم زراعة الاشجار فيها لما تجلبه من ضرر للناس وهناك ايضا حالات تكون زراعتها تعذيب واساءة لها. فبالنسبة للاضرار التي توقعها الاشجار على الناس يمكن البدء بحالة معروفة ومتفق عليها وهي انه يمنع زراعة الاشجار السامة في المناطق التي يمكن للناس الوصول اليها وملامستها وخاصة تلك التي يتوقع فيها وجود الاطفال. لذلك لا يمكن ان تزرع مثل هذه النباتات بالقرب من ملاعب الاطفال او الارصفة العامة. ومن الحالات المعروفة ايضا والمتفق عليها ألا يزرع الجار اشجارا في حديقته تمنع النور عن جاره لما يسببه نقص النور من اضرار صحية وربما نفسية لذلك الجار. ويدخل في هذا النطاق ايضا الاشجار التي تزرعها البلديات وترتفع لتسبب الحجب التام للنور عن نوافذ الطوابق الاولى من الابنية السكنية. وكلنا يعرف كيف يعالج الناس مثل هذه المشكلة عندما لا تتفاعل البلديات وتقلم الاشجار. فالحل المتعارف عليه هو ان يسقي المتضرر هذه الشجرة الظليلة خطأ قليلا من محروقات التدفئة المنزلية كالمازوت فلا تلبث بعد ذلك تلك الشجرة الا قليلا. ويجب عدم زراعة الاشجار في الاماكن التي قد تسبب اضرارا للابنية وهناك مثالان على هذه الحالة الاول عندما تزرع الشجرة بالقرب من الجدران فتكبر جذورها وتقوى وتمتد بحثا عن المكان والغذاء فتزحزح أساسات الجدران وقد تؤدي لسقوطها. لذلك ينصح بوضع رصيف مناسب حول المباني ليفصلها عن احواض النباتات. اما المثال الثاني فهو عندما تصل جذور الاشجار الى الخدمات المخفية والتابعة كانابيب التصريف او خطوط الهاتف. في هذه الحالة قد تكسر الجذور الانابيب او تقطع الاسلاك فتكون عملية اصلاحها مكلفة للغاية. بعيدا عن المواقع الخاصة كالابنية والبيوت والحدائق هناك حالات تسبب فيها الاشجار الضرر في الطرقات العامة, وقد تكون هذه الأضرار فادحة وتتعلق بارواح المشاة او السائقين واعرض هنا اربعة امثلة شائعة الانتشار في مدننا اولها انه يجب عدم زراعة الاشجار التي تستهلك مساحة كبيرة من الرصيف تمنع معها المشاة من السير عليه فيضطرون للسير على الطريق. ولا يخفي ما يسبب السير في قارعة الطريق من اخطار خاصة اذا تذكرنا كيف يقود الشباب سيارتهم. فبينما نعتقد اننا نجمل مدننا نسبب حوادث قد تكون مميتة ومن الاماكن الاخرى التي يجب الابتعاد فيها عن زراعة الاشجار مواقع اشارات المرور الضوئية وسواها حيث تحجب الغصون الخضراء الرؤية السليمة للاشارات فتصبح احتمالات الخطأ عالية مما قد يؤدي ايضا الى حوادث جسيمة. اما الاماكن الاكثر خطورة فهي تلك التي تحجب معها الاشجار الرؤية في المنعطفات لكبرها وكثافتها الامر الذي يجبر السائق على التقدم الى داخل المنعطف من دون ان يكون قادرا على الرؤية السليمة. ومهما كان ذلك السائق حذرا في تقدمه في المنعطف فانه لا يستطيع ان يضمن ان السائق القادم من الجهة الاخرى سيكون على نفس الدرجة من الحرص والحذر. تنطبق هذه الحالة ايضا عند نقاط الالتفاف في الشوارع الرئيسة حيث تحجب الاشجار المزروعة في الجزيرة الوسطية الرؤية تماما عن السائق فيضطر للمجازفة بالالتفاف نحو الجهة الثانية من الطريق وهو لا يدري ما يخبأ له من مفاجآت. ويجب ألا ننسى ان سرعة السيارات في الطرقات الرئيسة ذات الجزء الوسطية تكون عادة عالية جدا بسبب عدم وعي الشباب لخطورة الأداة القاتلة التي يركبونها. تتفق المعايير العالمية على انه في حالات تقاطع الطرقات يجب عدم زراعة الاشجار لمسافة لا تقل عن خمسة عشر مترا لضمان الرؤية الواضحة. اما ضرورة عدم الزراعة لما ينتج من اساءة للشجرة نفسها فهناك حالات عدة منها انه يجب عدم زراعة الشجر في احواض صغيرة كما نفعل في كثير من شوارع مدننا الامر الذي ينتج عنه اما تكسير الجذور للرصيف اذا كان ضعيفا او موت الشجرة نفسها لعدم تمكنها من الحياة. كذلك يجب الانتباه الى عدم زراعة نفس النوع من الاشجار في جميع الشوارع والفراغات المفتوحة في مدننا لما يسبب ذلك من تكرار ممل, بالاضافة الى احتمالات فقدان كل الغطاء النباتي في المدينة في حالة اصابة ذلك النوع من الشجر بوباء او مرض. ومن نفس المنطق يجب الابتعاد عن زراعة الاشجار الغريبة عن بيئتنا للكلفة المرتفعة لاستيرادها ومن ثم الاعتناء بها بسبب حاجتها للرعاية الاضافية, وكذلك لاحتمالات موتها العالية لكونها قد اجبرت على ظروف معيشية لا تناسبها. هنا يجرنا الحديث الى نقطة تتعلق باماكن زراعتها فالشجرة لا تحب ان تعيش وحيدة في صحراء من الاسمنت او الاحجار ولكنها تحب ان تعيش مع بعضها البعض كما نحب نحن ان نعيش مع غيرنا من الناس. وكذلك فان الشجرة تكره ان تصطف كالجنود الواحدة تلو الاخرى في خطوط لا يبدو لها بداية او نهاية. ولكنها تفضل ان تتجمع في بقعة واحدة لتشكل كتلة خضراء تتعايش مع انواع اخرى من النباتات اصغر منها تتبادل جميعها الفائدة المشتركة. لذلك يجب ألا يزرع الاشجار عسكريون او معماريون فكلا الفريقين يغرق في التنظيم الهندسي الذي يبعد النباتات عن طبيعتها الصحيحة فتبدو عليلة ومصطنعة وعلينا ان نتذكر انه يوجد متخصصون في التصميم الخارجي, يدعون معماريو بيئة مؤهلون لاتخاذ القرارات السليمة المتعلقة بالاختيار الامثل لنوع الاشجار ومكانها وعددها وكيفية زراعتها والعناية بها لتلبية الاحتياج المطلوب منها إن كان وظيفيا او جماليا او بيئيا. @@ الدكتور رافع ابراهيم حقي استاذ مشارك - جامعة الملك فيصل