الاتفاق جرحٌ غائرٌ مُسجَى على الساحل الشرقي، كان صرحًا من خيالٍ فهوى، وكان الماضي الذي يحنّ إليه كل مَن تفتحت عيناه على عدامة الدمام، وبحر تعتليه أشرعة القوارب والسفن. كان سفينة تصل لشواطها، محمَّلة باللؤلؤ والمرجان، وكانت فرجان أول.. وأهلها تستقبله بالهول واليامال. لم تعتد تلك السفينة بأشرعتها التي تتلوّن باللونين الأحمر والأخضر، السير وسط الأمواج المتلاطمة، لبراعة نواخذتها، وصفاء قلوبهم، وسلامة تدبيرهم، ومنهجية أهدافهم، ونبل أخلاقهم. كتبت في رحلتها أجمل الروايات، ونثرت أحلى القصائد، وجلبت الذهب والفضة في بحر الخليج والعرب، واصطاد بحارها كل ما هو جميل في مسيرتها، وتغنى برجاله البعيد قبل القريب. لم تتخيّل في رحلتها أن الرياح ستعصف بها يومًا ما، وأن بحارتها سينخرون في خشبها، وأن المحبة التي كانت تلفّهم ستتغيّر في صراع غالب ومغلوب. لم يعُد هناك فرجان تحمل على أسطح منازلها اللونين الأحمر والأخضر، ولم نسمع صوت الصرناي، ولم نعُد نرى الوجوه التي رسمت الفرح لأكثر من عقدين من الزمن. ولم تصل تلك السفينة لشواطئ الأمان، كما كانت، تاهت في أعماق البحار، ولم يعُد بمقدور نواخذتها النهوض بعد الغرق. استبدلوا كل الأشياء الجميلة، التي تغطي سفينتهم وتزيّنها، بأوهامٍ أليمة. ** نخروا سفينتهم بمطارقهم ومساميرهم، كمن وضع أصبعه في عينه. عزفوا الناي الحزين، وغيّروا حنجرة الفرح، بأخرى لا تعرف إلا الأسى. شمّروا عن سواعدهم بوضع الشوك في طريق عشقهم الذي رسم لهم الفرح، وعرّفهم الابتسامة. بدّلوا سماءهم الصافية بغيوم وضباب، ولكن بدون مطر..!!