يقول الله تعالى: «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه». ميثاق غليظ؛ وأمانة ثقيلة، بها حصل العلماء الربانيون على المنزلة العلية والشرف الرفيع إذ هم الموقعون عن رب العالمين أحكام شرعته في الحلال والحرام وكل صغير وكبير مرتبط بأحكام الشرع بما حباهم الله به من الإيمان والعلم والعمل. ولذا فإن مسؤوليتهم في الذب عن الشريعة ضد انتقاص المنتقصين وتطاول المتطاولين وجناية المجرمين ليست كمسؤولية غيرهم لأن قدرهم أن يكونوا في الصفوف الأولى المواجهة لحملات المناوئين لشرع الله من الكفرة والملاحدة والمنافقين وسائر المجرمين المحاربين لدين الله جل وعلا، ومتى ما تخلف العلماء العاملون عن هذه المسؤولية وقصروا في هذا الواجب حل البلاء وعظم الخطب، وتقدم الجهلة وتصدر الأصاغر فاختلط الحابل بالنابل، وصار الباغي في حل من بغيه يرتع ولا راد لبغيه أو لاطم لجنون جنحه وجناياته. وقدر العالم الرباني في هذه الحياة أنه مسؤول مسؤولية تتضاعف عن مسؤولية أي فرد من أفراد الأمة في نشر الدين وحماية الشريعة والدفاع عن سنة الهادي البشير صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «ولله سبحانه على كل أحد عبوديةٌ بحسب مرتبته، سوى العبودية العامة التي سوَّى بين عباده فيها فعلى العالم من عبودية نشر السُّنة والعلم الذي بعث الله به رسوله- صلى الله عليه وسلم- ما ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبرِ على ذلك ما ليس على غيره». والحاجة للعلماء ضرورية في كل وقت وزمن ولكنها تشتد في زمن الفتن ومدلهمات الخطوب؛ وتكاثر البدع واندراس السنن وظهور أعلام الغواية والصد عن سبيل الله وهداه، ولقد حفظ لنا تاريخ هذه الأمة سير علماء صدعوا بالحق، ورفعوا منارة العلم، وكسروا شوكة قباب الجهل والخرافة بسيوف الحق، وبراهين الكتاب فكان ذلك سببا في تخليد ذكرهم، ورفعة شأنهم بين آلاف ممن حملهم العلم ولم يحملوه، فأكلوا بعلمهم واتخذوا سبيل الرشاد ظهريا. واليوم يمر بشبابنا ذكورا وإناثا أسئلة عاصفة وشبه زائفة تستهدفهم في عقيدتهم أولا وأخلاقهم ثانيا، فطلائع الإلحاد الفكري والانحلال الخلقي كمنتج من منتجات الحضارة الغربية الخاوية روحيا تكاد تخطف ألبابا غضة طرية، تحتاج يدا حانية تمسح عن عيونها غشاوة الجهل والحيرة والتردد، واليد التي تأتي على كل شبهة وشهوة هي يد العلم ومبضع العالم والجهود أمام سيل الركام القادم لا يزال لا يفي بالحاجة. تشفير وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر