نشر موقع الوفاء لحقوق المرأة موضوع «الغيرة شعور طبيعي» وأن هذه الممارسات تجعلنا على يقين بأن الغيرة بين الأبناء من الأمور المسلم بها في حياتنا اليومية، فلا تكاد تخلو أسرة من خلافات ومشاجرات بين الأطفال بسبب غيرة أحدهما من الآخر وسعيه ليكون محور اهتمام والديه أو الاستحواذ على القدر الأكبر من حبهما، ولهذا، وحتى لا تتحول الغيرة إلى صفات مذمومة ومشاعر سلبية لها عظيم الأثر على علاقة الأخوة كالحقد والأنانية مثلا، يقع على الوالدين الدور الأكبر في ترويض مشاعر الغيرة بين أبنائهما، وهذا ما يؤكده المتخصصون التربويون، فيشير الدكتور بنجامين سبوك، خبير تربية الأطفال والدكتور بجامعة كاليفورنيا، إلى أن الغيرة أمر طبيعي ومنتشرة بين معظم الأطفال، إن لم يكن كلهم، ويعتبر سلوك الغيرة والمشاعر التنافسية أكثر عند الطفل الأول، لأنه تعود أن يكون محط أنظار والديه، وعندما يصل مولود جديد يشعر الطفل بأن الاهتمام سُحب منه وبالتالي تزداد حدة الغيرة وخاصة إذا كان الفارق بين الطفل الأكبر والرضيع يتراوح بين شهور إلى سنوات قلائل. أسباب الغيرة بين الأبناء ويتعرض الطفل لمشاعر الغيرة لأسباب عدة، يوضحها دكتور فتحي الفيفي، وكيل المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببورسعيد فيقول: تفضيل الوالدين لطفل على آخر في محيط الأسرة سواء كان التفضيل في الماديات أو العواطف، أي سواء كان تفضيلا ماديا أو معنويا، من شأنه أن يولد مشاعر العدوانية لدى الطفل، ويخلق بداخله العديد من التساؤلات والتي بدورها تؤثر على نفسيته وعلى اتزانها. ويواصل، كذلك يساهم الوالدان غالبا في تنامي مشاعر الغيرة بين الأبناء عن دون قصد لأن ثقافتنا وكذلك عقلية الأب والأم تملي عليهما الاهتمام بالرضيع على حساب الطفل الأكبر منه، وبالتالي تظهر مشاعر الحقد والغيرة تجاه الرضيع نتيجة فقد الطفل الأكبر الرعاية التي كان يشعر بها من قبل، وتظل مشاعر الغيرة متلازمة معه، إن لم يعدل الوالدان من سلوكهما, حتى إنها قد تتحول إلى نوع من الكراهية والضغينة بين الأخ وأخيه، وفي محيط المجتمع الذي نعيشه – والكلام مازال على لسان الفيفي - هناك الكثير من القصص الواقعية والتي تجسد القطيعة بين الأخوات نتيجة تنامي مشاعر الغيرة منذ الصغر دون مواجهتها أو التصدي لها. أعراض الغيرة ويرى الفيفي أن مشاعر الغيرة عند الأطفال تتجلى في صور ومظاهر كثيرة، فقد تظهر على الطفل في صورة سلوك عدواني يقوم به للفت انتباه من حوله كأن يصرخ أو يكسر أشياءه وألعابه، وعلى العكس تماما قد يعبر بعض الأطفال عن مشاعر الغيرة بالهدوء والانطواء على أنفسهم، وقد يلجأ البعض الآخر إلى ادعاء المرض مثلا. ويختم الفيفي بتوضيح أهمية دور الوالدين وضرورة أخذ مشاعر أطفالهم بنوع من الاهتمام ومعالجة عدوانية الطفل أو انطوائه ومحاولة علاج مشاعر النقص والخوف وعدم إحساسه الأمان لديه. وعلى الرغم من أن الغيرة تعتبر أمراً طبيعياً إلا أن خبير التربية الدكتور ايلين هايز، يرى أنها قد تنقل للأطفال إحساسا بعدم الأمان أو عدم السعادة، وقد تفسد العلاقة بين الأشقاء، ولذا على الوالدين التدخل لإدارة التنافس بشكل سليم، وكلما كان ذلك ممكنا. أهمية العدل بين الأبناء ولأن التفضيل والتمييز في المعاملة يعتبر من أهم أسباب الغيرة بين الأبناء، يوضح دكتور محمد الشحات الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية وأمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بأن العدل واجب شرعي في معاملة الأبناء، فالأصل هو التسوية في المعاملة بين الأبناء لأن قرابتهم من الأب والأم واحدة، لذلك من المفروض أن يلقى هؤلاء الأبناء نفس المعاملة. فإذا كان هناك تمييز لصالح أحد الأبناء أو ضد أحدهم فهذا ظلم وحرام ومنهي عنه، لما ورد «عن النعمان بن بشير، قال: تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى يشهد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فانطلق أبي إلى النبي {صلى الله عليه وسلم} ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله {صلى الله عليه وسلم}: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. فرجع أبي فرد تلك الصدقة» «وفي حديث محمد بن بشير، فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}: يا بشير ألك ولدٌ سوى هذا؟ قال: نعم، قال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذن فإني لا أشهد على جور». ويواصل الشحات قائلا: لذلك فإن مسألة التمييز بين الأبناء من شأنها إثارة العداوة والبغضاء والكراهية بين الأبناء مع بعضهم البعض وفي علاقاتهم بآبائهم وأمهاتهم، و قد يتسبب ذلك في التحاسد فيما بينهم وذلك لأن من تميز لصالحه يشعر إخوته بأن له مكانة أفضل عند الأب أو الأم من مكانتهم مما يثير الحسد. ويبرهن دكتور الشحات على كلامه بما حدث بين أبناء يعقوب عليه السلام، فعندما استشعر الأبناء أن أباهم يفضل يوسف عليه السلام، مع أنه كان يميل إليه فقط ولا يفضله أكثر من إخوته، تآمروا على يوسف عليه السلام على نحو ما حكاه القرآن الكريم، ونذكر منها قوله تعالى: «اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ». وهنا نلاحظ أن ما فهمه الأبناء من تفضيل سيدنا يعقوب «الأب النبي» لابنه يوسف عليه السلام على إخوته، أدى بهم إلى محاولة قتله أو نفيه بعيدا، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في الآيات المتتابعة في القصة المعروفة. ويختتم دكتور الشحات كلامه بتوجيه نصيحة للآباء والأمهات، فيقول: ينبغي على الآباء والأمهات أن يحذروا تفضيل أحد الأبناء، لأن ذلك فيه مفسدة ومن شأنه التأثير على العلاقات الطيبة والفطرية بين الآباء والأبناء وبين الأبناء بعضهم البعض إلى علاقات تباغض وتحاسد، وهو ما يرفضه الشرع والعقل ويرفضه المجتمع السليم بأصوله الاجتماعية. نصائح للتغلب على الغيرة وللتحكم في الغيرة بين الأبناء ينصح دكتور سعد رياض، الخبير النفسي، بالآتي: * على الوالدين ألا يحاولا تدليل الطفل الجديد أمام الطفل الأكبر منه، وإعطاءه قدراً من الرعاية والاهتمام تتناسب مع عما ذي قبل، كذلك الحرص على لفت انتباه المحيطين بهم بعدم المبالغة في تدليل الرضيع - قدر المستطاع- أمام الطفل الأكبر منه. o تعريف الطفل الأكبر بالامتيازات التي يحظى بها كونه الأكبر، والتي تميزه عن الصغير مثل قدرته على اختيار ملابسه بنفسه أو قدرته على التفاعل مع المحيطين، وبالتالي مساعدته في تعزيز ثقته بنفسه، وفي مرحلة أخرى قد يتبدل الموقف وتتضح مشاعر الغيرة في الطفل الصغير نحو أخيه الأكبر نتيجة ما يحصل عليه من حريات وامتيازات يفتقدها هو، وهنا على الوالدين معالجة الأمور وتوضيح المناسب لكل سن وكل مرحلة عمرية. o تجنب المقارنات في جميع المواقف على سبيل المثال: «لماذا لا تقوم بترتيب غرفتك مثل أخيك؟ «، «لماذا لم تحصل على أعلى الدرجات مثل أخيك؟ «، فأسلوب المقارنة يساهم في تفاقم وتتأجج مشاعر الغيرة بين الأبناء. -مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء وأن لكل طفل شخصيته المستقلة والمميزة، وبالتالي فإن اللعبة التي يفضلها طفل قد لا يعجب بها بالضرورة الطفل الآخر، ومن هنا لابد من مراعاة ذلك لإرضاء الأطفال بدلا من إثارة مشاعر الشك فيما بينهم . * في حالة نشوب خلاف وتشاجر بين الأبناء، على الوالدين التدخل بحكمة ومراعاة عدم الانحياز للصغير على حساب الأكبر منه والعكس، كذلك الابتعاد عن تدليل أحدهما على حساب الآخر. ويختتم دكتور رياض بضرورة اللجوء إلى استشارة المتخصصين حال تحول مشاعر الغيرة إلى سلوك عدواني واضح أو اضطرابات سلوكية، للتعرف على الطريقة المثلى في التعامل مع هذا الطفل وكيفية إعادة ثقة الطفل بنفسه، حيث يفتقد الكثير من الآباء إلى مهارة غرس الثقة أو إعادتها للطفل.