موجة ثقة عالية عاشها المجتمع السعودي وهو يشاهد في مطار القاعدة في الرياض، عصر يوم الاثنين الماضي، مراسم الاستقبال الفخري الذي حظي به القنصل السعودي العائد من اليمن، بعد ثلاث سنوات من الاختطاف هناك؛ فمع سمو ولي ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز كان الأمراء سمو نائب وزير الخارجية الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ومعهم قلوب الملايين في هذا الوطن من أقصاه إلى أقصاه تحضر المشهد وتوثق الثقة في علاقة المواطن السعودي بوطنه وقيادته. فقد كان احتجاز القنصل عبدالله الخالدي عملاً مشيناً، يستهدف كل مواطن في بلادنا، التي تخوض حرباً واسعة ضد فكر التطرف والإرهاب الغاشم، الذي يحاول معتنقوه -عبثاً- الإخلال بأمن الوطن وتدمير شبابه والتأثير في مواقفه وثوابته بشتى السبل المهينة، التي تتجاوز حدود العقل والطبيعة لصالح جملة من الأهداف الخارجية المكثفة لأعداء الأمة، وفي جملة من المواقع والبؤر الضعيفة أمنياً في العالم، والتي ينتهز التطرف استغلالها؛ لتمرير مخططاته المكشوفة الآن أمام كل العقلاء، حيث لم تعد أساليبهم وصيغ خطابهم تنطلي على العالم الذي غدا يستنكر كل أعمالهم المشينة والمروعة، والتي تستبيح كرامة الإنسان وقيم كل الأديان والأعراف المتوارثة. وفي حالة اختطاف مواطننا عبدالله الخالدي، صورة حية لدناءة الأسلوب والفكر المغذي له، فالرجل كان موظفاً يؤدي واجبه العملي بمهنية وإخلاص، وليس لطبيعة عمله أية علاقة بالأحداث الجارية، سوى أنه ممثل دبلوماسي لهذه البلاد يقوم على استصدار سمات الدخول للمملكة الخاصة بالحج والعمرة والزيارات العائلية والعمال، لذلك كان اختطافه غنيمة ثمينة استغل من قبل المارقين لبيعة بدم بارد على جهة تستعدي هذا الوطن وأهله، وطالما تتابعت محاولاتها للنيل من الوطن في أمنه وفي مقدراته، وقبل ذلك ترويع أهله بين مساجدهم ومجتمعهم الحاضن للخير والعطاء والمُحب للأمة والسلام. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها أبناء الوطن من الدبلوماسيين والوزراء؛ لمجرد النيل من الوطن، فقد اختطف وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني عام 1975م؛ لأهداف إستراتيجية، سوى أن الصورة واحدة، وهي الترويع والنيل من كرامة الوطن في رموزه وأهله، وكذلك هناك غيرها من الحالات في ظروف أخرى. بينما العامل المشترك فيها جميعاً هو حرص الدولة وقيادتها على أبناء الوطن أينما كانوا، فقد كانت ملامح الرعاية الكريمة بادية وبشكل كبير وواسع في حجم استقبال القنصل الخالدي، وهو ما يبعث على الثقة والفخر بهذه القيادة التي تتعامل مع مواطنيها بمستوى واحد من الرعاية والاهتمام، فقد بُذل لتخليص الخالدي خلال سنوات اختطافه الثلاث الكثير من الجهد في كل المستويات الرسمية؛ لضمان عودته سالماً ولتظل حالة اختطافه تحمل أكثر من مؤشر منها ما يفضح فكر الأعداء، ومنها ما يمتن الثقة بين المواطن هنا وقيادته، ويزيدهم جميعاً على الإصرار في المواجهة والعمل المخلص بدم حار لا ترهبه أيادي الخفاء وأفكار التطرف. * كاتب وإعلامي