آفاق الوسط الاقتصادي مؤخراً على أنباء توجه وزارة التجارة وهيئة السوق المالية الى رفع دعوى لدى جهات قضائية على أعضاء مجلس إدارة عدد من الشركات المساهمة بتهم التقصير وتجاوز الانظمة مع الاخلال بسياسات ومعايير لوائح حوكمة الشركات. وقد أعادت هذه الانباء للواجهة قضية لا تزال مثارا للنقاش، وهي قضية القصور في فهم أعباء ومسؤوليات عضوية مجلس الادارة لدى شريحة واسعة ممن يتقلد هذه المناصب. درجت العادة أن ترى الغالبية ان هذه العضوية جزء من مكانة اجتماعية وحظوة أو انها مكافأة على أداء سابق أو ترضية لازاحة من مناصب تنفيذية، وعليه، فان الاعضاء يتعاملون معها كهيبة أكثر من مسؤولية وهذا أمر خطير. حيث يجب على العضو التعاطي مع هذه العضوية كمن يتعامل مع الحية الملساء إيماناً بقول الشاعر (وفي الحية الملساء للعين متعة .. وفي جوفها سمّ زعاف مُميت) مع عدم الاعتماد على حسن النوايا والثقة المطلقة الخالية من الرقابة بالادارات التنفيذية. ولا يقل عن ذلك خطورة حصر مسؤولية المجلس وأعضائه في الخطوط العريضة والسياسات العامة للشركة ورمي الثقل كاملاً على كاهل الادارة التنفيذية من باب التخوف من تداخل المهام والادوار. لذلك جنح العديد من الأعضاء الى سياسة النأي بالنفس والانكفاء عن المتابعة الدقيقة لأعمال الشركة، وهو ما يعد تصرفاً كارثياً وجهلاً بماهية المخاطر القانونية المستقبلية المحتملة. لقد منحت المادة الثالثة والسبعون من نظام الشركات مجلس الادارة أوسع الصلاحيات وهو ما يعني ضمناً أوسع المسؤوليات القانونية، فهو المظلة العليا والمسؤول الأول أمام المساهمين والجهات الرقابية الحكومية في حال ثبت التقصير في متابعة أداء الادارة ووضع سياسة دورية خاصة للتأكد من دقة وصحة المعلومات المقدمة من الادارة التنفيذية في كل فترة مالية، كما أن من أبرز المهام تأسيس ادارة للمخاطر ووضع سياسات دقيقة تعمل كنظام انذار مبكر. إن كل عضو عرضة للمساءلة من قبل المساهمين أو أي جهة رقابية تجاه أي تصرف أو قرار عاد للشركة بالضرر ، وهذه المسؤولية لا تسقط بالاستقالة أو الاقالة أو حتى بالتقادم، وهو ما يسمى العرف القانوني "دعوى المسؤولية". للاسف الثقافة القانونية السليمة تجاه المسؤوليات المنوطة للعضوية تفوق ما يعتقده الكثير من أعضاء المجالس وهو أمر عائد بشكل جوهري الى الافتقار الى الخلفية القانونية. وكذلك الى غياب الاهتمام بهذا الأمر من قبل الشركات أو حتى المشرعين رغم المحاولات التي تستحق الذكر من قبل هيئة السوق المالية للتعريف فيها واقامة ورش عمل خاصة لذلك. من غير الممكن ان يمارس العضو نشاطه في أي مجلس ادارة بمعزل عن التعمق والالمام التام بالمسؤولية القانونية بشقيها (العام والخاص) فهو ملتزم بمعرفة ماهية المسؤوليات (العامة) التي تتمثل في نظام الشركات التابع لوزارة التجارة وقواعد التسجيل والادراج ولائحة حوكمة الشركات بهيئة السوق المالية. وكذلك الالتزامات (الخاصة) التي تخضع لانظمة الشركة الداخلية وعلى رأسها النظام الاساس للشركة والنظام الداخلي لحوكمة الشركات، بالاضافة الى أي أطر قانونية داخلية أخرى. فالعضو ملزم بالالمام بكل هذه الانظمة في سبيل توفير الغطاء القانوني لكل خطوة وقرار يشارك فيه لضمان سلامته من المساءلة اللاحقة. وتعتبر السعودية حديثة عهد بأنظمة حوكمة الشركات الصارمة والمطبقة في الدول المتقدمة، إلا انه وفي ظل النوايا الواضحة للعيان لارساء وتعزيز مفهوم حوكمة الشركات لدى الجهات الرقابية، فاننا بحاجة ماسة الى تثقيف أوسع لكافة الأعضاء والشركات حيال المسؤوليات المنوطة وما يتبعها من مساءلة ومحاسبة من قبل الجهات العليا أو المساهمين على حد سواء.