أعيش في كوالا لامبور، في بناية ملاصقة لمركز تسوق، ومركز التسوق هذا يبعد بالسيارة مسافة 19 دقيقة عن مركزي تسوق أكبر بكثير منه، ويبعد بالسيارة مسافة 20 دقيقة عن ثلاثة مراكز أخرى. وليس من باب التفاخر، لكن ثلاثة من تلك المراكز المجاورة حصلت مؤخرا على مرتبة من بين العشرة الأكبر في العالم، بما فيها مركز تسوق أوتاما، رابع أكبر مركز تسوق في العالم، بوجود مساحة قابلة للتأجير تبلغ 364515 مترا مربعا. في ذات مرة، كانت الولاياتالمتحدة صاحبة أكبر مراكز التسوق في العالم. لكن هذه الأيام تجدها مشغولة أكثر في التخلص منها. في الشهر الماضي، بدأت الأطقم بعملية هدم مركز تسوق كليفلاند راندال بارك، الذي افتتح في عام 1976 وادعى حينئذ أنه أكبر مركز تسوق في العالم. وهو يعد فقط الإدخال الأخير ضمن قائمة متزايدة من متاجر التسوق الداخلية منتهية الصلاحية والتي «خدمت سابقا الطبقة العاملة»، وفقا للتقرير المالي من شبكة سي إن إن حول راندال بارك. لا غرابة في أن مراكز التسوق المحتضرة في أمريكا كثيرا ما كانت تعامل على أنها اختصار للمتاعب الاقتصادية للبلاد - على رأسها عدم المساواة في الدخل. كل شخص من هيئة الإذاعة البريطانية إلى المواقع الإخبارية قام بتغطية عملية إغلاق المراكز التجارية، وتم تكريس مواقع ويب كاملة للموضوع، وفي الفترة الأخيرة انضمت صحيفة نيويورك تايمز إلى المشهد بعرضها المنفرد لمراكز التسوق الميتة والاستنتاجات المتوقعة حول أجور الطبقة المتوسطة الراكدة. لكن يجدر النظر فيما إذا كان الانخفاض في مراكز التسوق في الولاياتالمتحدة هو حقا ناتج عن السياسات الاقتصادية الخاطئة - أو حتى عن أي خطأ اقتصادي على الإطلاق. إن نظرة فاحصة على مشهد تجارة التجزئة في آسيا تشير إلى قصة أكثر تعقيدا. كما يشهد الحي الذي أعيش فيه، تزدهر مراكز التسوق عبر آسيا. تعتبر القارة الآن موطنا لجميع المراكز العشرة الأكبر في العالم. ليس حجم المكان، وإنما حجم التخزين والمبيعات هو الذي يهم حقا. في شهر أبريل، أفادت الشركة العقارية العملاقة (سي بي آر إي) بأنه، من بين ال 39 مليون متر مربع من مساحات مراكز التسوق قيد الإنشاء في عام 2013، أكثر من نصفها كان في الصين. من بين المدن العشر الأكبر، كانت واحدة فقط - إسطنبول، بالمرتبة الثامنة - مدينة غير صينية. من بين أعلى 15، جميعها كانت مدنا في قارة آسيا. (كوالا لامبور لم تكن من ضمن ال 25 الأكبر – ولم تكن أيضا من بينها أي مدينة في أمريكا الشمالية). بالطبع، جرى هذا الاستطلاع قبل بدء الآثار الواسعة للتباطؤ الاقتصادي في الصين بالانتشار، لكن الاتجاه العام واضح. لماذا هذا الازدهار؟ هنالك سببان عامان، وكلاهما لا يتوقع من الولاياتالمتحدة مجاراتهما. الأول هو التركيبة السكانية البسيطة. جنوب شرق آسيا والصين في تحضر عمراني سريع في المدن، ما يدفع سكان المناطق الريفية ذوي الدخل المنخفض إلى أنماط حياة الطبقة المتوسطة. في إندونيسيا، على سبيل المثال، ثبت معدل التحضر العمراني عند نسبة 38% في عام 2000، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 60% مع حلول عام 2020. وأولئك السكان الجدد في المدينة لديهم المال لإنفاقه: وفقا لتقرير إخباري من تلفزيون بلومبيرج في شهر يونيو، من المتوقع أن يتضاعف عدد الإندونيسيين من الطبقة المتوسطة والغنية بحلول عام 2020 إلى 141 مليون شخص، من 74 مليونا في عام 2012. مجموعة من المستهلكين المحتملين بنفس الحجم من المؤكد أنها سوف تجتذب شركات التجزئة - وبالفعل في شهر يونيو أعلنت لوتي، أكبر شركة لتشغيل المجمعات التجارية في كوريا الجنوبية، أنها سوف تفتتح أربعة مراكز للتسوق في إندونيسيا بحلول عام 2018. بالطبع، ليست فقط إندونيسيا هي التي تشهد تغيرا ديموغرافيا يعمل على تغيير وجه الأعمال التجارية. تتوقع سي بي آر إي أن يرتفع عدد أفراد الطبقة المتوسطة في آسيا والمحيط الهادئ إلى 1.74 مليار شخص بحلول عام 2020 (ثلاثة أضعاف المجموع في عام 2009). أما العامل الآخر الهام فهو أن معظم هؤلاء الناس سوف يتطلعون بنشاط للذهاب إلى مراكز التسوق. وفقا لاستطلاع سي بي آر إي للمستهلكين في نوفمبر 2014 الذي شمل أكثر من 11 ألف مشارك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، «يفضل أغلبية ساحقة من المستهلكين في آسيا والمحيط الهادئ مراكز التسوق الكبيرة» التي يوجد في كل منها أكثر من 50 محلا تجاريا. (يفضل أن تكون تلك المحلات التجارية «فريدة من نوعها» – وفي البلدان النامية في آسيا، فإن ماركات المراكز الكلاسيكية مثل ماركة جاب بالتأكيد مؤهلة لذلك). هنالك، بالطبع، اختلافات: يبدو أن التركيبة السكانية الشابة تفضل شوارع التسوق التقليدية ومراكز التسوق الأصغر. لكن، في منطقة يكون فيها التسوق بمثابة رياضة اتصال متعبة تجري تحت سماء ملوثة، فإنه حينها يكون من الصعب مقاومة جاذبية مركز التسوق - بمستوى نظافته، والأمن وأجهزة تكييف الهواء فيه. إذا وجد أي من تلك العوامل الثقافية أو الديموغرافية، ناهيك عن تكرارها، فهي قليلة، في الولاياتالمتحدة. علينا ألا ننسى أن انتهت حالة الانتشار الواسع في الضواحي في القرن العشرين والتي كان العامل الدافع لكثير من تطور مراكز التسوق الامريكية (والانخفاض في وسط المدينة)، هي الآن حتى في حال انقلاب وتراجع. في الوقت ذاته، تغيرت أذواق التسوق، ولم يعد للمراكز المستهدفة المحاطة بساحات كبيرة لاصطفاف السيارات جاذبية ثقافية، وقامت كبرى شركات التجزئة في أمريكا بإشباع السوق – وفقا لمقالة صحيفة نيويورك تايمز، التي حاولت جاهدة ربط موت تلك المراكز التجارية بموت الطبقة المتوسطة - بحيث إن مراكز التسوق الأمريكية تحتضر الآن بشكل رئيسي بسبب «وفرة المتاجر في أنحاء عديدة من البلاد». لا تعاني آسيا من تلك المشكلة، وبالتالي فإن مراكزها التجارية - وثقافة التسوق - تزدهران. بطبيعة الحال، مطورو مراكز التسوق الآسيويون ليسوا محصنين ضد بناء مراكز سيئة التخطيط ينتهي بها المطاف فارغة. لكن ما دامت اقتصاداتها ومستهلكوها يواصلون الخضوع لنسختهم الخاصة بهم من التحول الذي انتهى منه الأمريكيون في القرن الماضي، سوف يحافظون على الاستثمار. في الوقت ذاته، بعيدا عن الشعور بالإحباط بسبب هذا، ينبغي على الأمريكيين إلقاء نظرة على ما يتوفر لديهم من بقايا بيع التجزئة الفارغة، مع الثقة بأنهم لا يمثلون نهاية الثراء، وإنما فقط مجرد ذهاب لنوع مختلف من طريقة الاستمتاع به.