نقترب من اكمال أربعة أعوام على انطلاق الحراك السلمي البحت للثورة السورية في 15 مارس 2011 والذي لم يحمل السلاح لحماية مدنييه من قبل عناصر انشقت عن الجيش النظامي بعد مذابح ضد المتظاهرين الا بعد مضي 6 أشهر أو تزيد، حينها كان النظام يفتك ويرتكب المذبحة تلو المذبحة دون ورود طلقة رصاص واحدة لصفوفه، وحينها لم تولد جبهة النصرة ولم يولد تنظيم داعش الإرهابي. وكانت الثورة في محضن أحياء السوريين وحراكهم السلمي، وحينها استدعى نظام الأسد مبكراً دعم الإيرانيين فشاركوه وميلشياتهم في القمع السياسي والأمني الذي بدأ بضباط من الحرس الثوري وبكوادر من طلاب حزب الله اللبناني في الجامعات السورية تحولت الى عناصر أمنية تطارد زملاءهم وتعتقلهم من المضيفين السوريين الذي آووهم في العدوان الإسرائيلي على لبنان، كل ذلك في الأشهر الأولى والشعب المتظاهر لحقوقه المدنية أعزل من أي قوة. ومنذ ذلك التاريخ والمذابح مستمرة حتى مذبحة دوما الأخيرة التي لا يمكن أن نصف بشاعتها بكلمات، فكيف تصف شوارع كاملة مختلطة بالدم ومباني محترقة وآلافا من الجثث بعضها تبخّر من الحرق، مورس الحرق للأحياء أطفالاً ونساءً وشيوخاً جماعيا، وقُصف الباعة المتجولون وزبائنهم فاختلطت أشلاؤهم جميعا بعربة الخضار التي حُمصّت بجمر البراميل المعبأة بكل ذخيرة كيماوية، مشهد أكثر من مروع وفاجع وأمام حركة نفاق عالمي لا مثيل لها تفرز الضحايا بمئات الآلاف من الشعب السوري من الغالبية المدنية السنية في الشرق لا لشيء الا لتصنيفهم دينياً عليها. ولا نقول ذلك طائفياً وانما نتحدث عنه بمنطلق انساني واسلامي واضح، بأن هذا التطفيف الصارخ بميزانين يرتد علينا في المشرق العربي فندفع جريمة تواطؤ الغرب وروسيا وإيران ضد العالم الإسلامي واستقلال الشرق، من خلال انبات شجرات داعش التي تعود فتصب حممها على هذه القاعدة الاجتماعية المعزولة المخذولة من المؤسسة الرسمية العربية والمقهورة والمغبونة من هذا التحالف الذي يخدم ارهاب إيران والغرب ولا يصنع سلما اهليا للشرق ولا وحدة ولا تعايشا انسانيا بل يمزق علاقات الطوائف ويضر استراتيجيا بالأقليات، وبالتالي الغالبية والأقلية من يتضرر حين تقود تدخلات إيران لإسقاط العلاقات الإنسانية والايمان بالشراكة المجتمعية بين كل أهل الشرق بكل مذاهبهم. نعم إن دوما فاضحة لكل هذه الصور المزيفة من أدعياء الديمقراطية والحريات، من طُغاة المثقفين من طائفيي إيران أو اكانوا يحسبون على اللبرالية أم القومية أم التنوير والتحرير، وفضحت الفكرة المتواطئة التي ضج لها الضمير العربي حين سمعها دويةً صريحة تحيي كل مذابح الأسد وتطالبه بالمزيد وبصوت تغريد سعودي مع الأسف، ولكنها لم تكن تمثل شخصا واحدا على الاطلاق بل لمجموعة تحالفات لمرضى ثقافة الكراهية، التي جاءت عللهم في اتجاه معاكس لداعش في الالفاظ والمصطلحات وهي تحمل نفس التطرف ولكن بقفازات ناعمة. نعم دوما المذبوحة فاضحة، للنظام الدولي الجديد الذي احتشد عند كوباني واعتبر أكثر من 300 ألف سوري مجرد هامش لا يستحق التوقف عند الذاكرة الإنسانية، فضحت هذا التعاقد الذي يُسلّم العراق وسوريا من جديد للإرهاب الأصلي الذي خلق أجواء الإرهاب الرديف في داعش وغيرها، ولا تزال خيوط واشنطن وخطوط طهران مرصودة عيانا في جراحات هذا المشرق العربي الذبيح وفي قرارات ومسؤولية دوله ونظامه العربي. دوما فاضحة، لأن قدرات الردع العربي موجودة وليست معدومة لعمل محاور وبرامج تُعدّل قواعد اللعبة التي خنقت الشرق بالإرهَابَيْن الأصلي والرديف الذي يخنق الانسان والحياة ليبقى الشرق بئر نفط ومحطة صراع، تعبر بين عمامة إيران وقبعة واشنطن فتفتح الخزان النفطي بكتلة دماء لا تنتهي، وما بقي شيء أكثر من هذا المشهد ليكتشف العرب الخديعة فهل تُحركهم دوما ورسالتها لإنقاذ هذا الشعب لمصالحهم قبل مبادئهم. كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي